محيي الدين محمد | أكاديمية المجلس العربي

يُعد الحراك الطلابي لليمنيين في تركيا، وبالأخص اتحاد الطلاب اليمنيين في تركيا، نموذجًا فريدًا في العمل النقابي والطلابي، وله دور بارز في تعزيز مفهوم الديمقراطية بين الشباب اليمني في الخارج، حيث يتواجد في تركيا حسب إحصاءات التعليم العالي التركي لعام 2025 حوالي 8003 طالب يتوزعون في حوالي 45 مدينة تركية. تركز ورقة السياسات هذه على تحليل دور الحراك الطلابيّ لليمنيين في تركيا من خلال تقييم دور الانتخابات الدورية التي ينظمها اتحاد الطلاب اليمنيين في تركيا خلال الفترة من 2016 إلى 2024، مع التركيز الخاص على انتخابات 2024، في تعزيز الوعي السياسي وترسيخ ثقافة الديمقراطية بين الطلاب. اعتمدت الدراسة على استبيان شامل أجري في بداية عام 2025 شمل 291 طالبًا يمنيًا، أظهر أن 75.9% من المستجيبين شاركوا في انتخابات 2024 وقيّموا تجربتهم العامة في الانتخابات بمتوسط 4.19 من 5، بينما حصلت الشفافية في العملية الانتخابية على تقييم متوسط 4.28، مما يشير إلى مستوى عالٍ من الثقة في الانتخابات وفي عملية تنظيمها. وعلى الرغم من الإنجازات الملحوظة مثل تعزيز التعددية السياسية والمشاركة الشبابية، تواجه التجربة تحديات جوهرية تشمل نقص الموارد المالية، التشتت الجغرافي للفروع، وضعف الربط مع الواقع السياسي اليمني.

تُقدم الورقة سلسلة من التوصيات العملية، تشمل تعزيز التمويل المستدام، تحسين آليات الشفافية، زيادة الوعي بالمشاركة الانتخابية، وتطوير قنوات تواصل بين الطلاب في تركيا والداخل اليمني، بهدف استغلال هذه التجربة كأداة لدعم التحول الديمقراطي في اليمن.

وفقاً للنتائج والتحليلات الواردة في هذه الدراسة:

يمكن القول بأن الحراك الطلابي اليمني في تركيا يمثل إحدى أهم التجارب المدنية الواعدة في الشتات اليمني خلال السنوات الأخيرة. فبالإضافة إلى دوره في تلبية الاحتياجات الأكاديمية والاجتماعية للطلبة المغتربين، يبرز دوره الأهم كونه فضاء حي للممارسة قيم الديمقراطية بشكل تدريجي وعملي في بيئة مستقرة نسبيا مقارنة بالمشهد اليمني المضطرب. لقد استطاع اتحاد الطلاب اليمنيين في تركيا بصفته الكيان الطلابي الأكثر شمولا وتنظيما خلال ما يقارب العقد من الزمن ترسيخ نموذج نقابي مدني ديمقراطي يدمج مبادئ التعددية والتداول السلمي والشفافية والمساءلة في بنيته الداخلية، مستفيدا من تراكم الخبرات التنظيمية له منذ تأسيسه وكذلك من خبرات الطلاب اليمنيين المنتشرين في أكثر من 37 مدينة تركية.

كشفت الدراسة بوضوح أن هذه التجربة، بما تتضمنه من انتخابات دورية وممارسات نقابية وتفاعلات ثقافية وسياسية بين الطلبة، قد أسهمت في بناء وعي ديمقراطي متقدم لدى شريحة واسعة من الشباب اليمني في الخارج. فقد تمكن الكثير منهم من خوض تجربة القيادة والمشاركة وصقل مهاراتهم السياسية والمدنية بشكل مباشر. هذا ما أكّدته نسب المشاركة الطلابية العالية في انتخابات 2024، ومؤشرات الثقة والرضا المرتفعة حيال جودة التنظيم وشفافية العملية الانتخابية، مما يدل على أن البيئة الطلابية هذه تحولت بالفعل إلى مساحة تدريب سياسي شبه حقيقية لإنتاج جيل جديد من الكوادر المدنية الواعية. بيد أن هذه التجربة الواعدة لا تخلو من التحديات. فقد بينت الدراسة أن العائق المالي يُعد من أبرز الإشكالات التي تهدد استدامة العمل النقابي الطلابي، إلى جانب تحديات التشتت الجغرافي وتفاوت القدرات التنظيمية بين الفروع، وكذلك ضعف الأثر المباشر على الداخل اليمني حتى الآن. هذه التحديات تفرض إعادة التفكير في آليات الربط المؤسسي والاستراتيجي بين ما يجري في المهجر الطلابي وبين حاجات الداخل اليمني. ويشمل ذلك ابتكار منصات رقمية مشتركة، وبرامج تبادل معرفي، وتفعيل أدوار الطلاب العائدين ليكونوا محفزين للتحول الديمقراطي في مجتمعهم الأم.

إن الزخم الديمقراطي الذي تولده تجربة الاتحاد من تمكين سياسي للشباب في بيئة مدنية منظمة يجعل منها نقطة انطلاق حقيقية لإعادة تصور دور الطلاب اليمنيين في الخارج ليس كمجرد مستفيدين من فرص تعليمية، بل كـعوامل تغيير سياسي واجتماعي ومساهمين محتملين في إعادة بناء المجال العام اليمني ما بعد الصراع. في هذا السياق، فإن تفعيل التوصيات المتعلقة ببناء المهارات، وربط التجربة بالداخل، وتحقيق الاعتراف الدولي بالاتحاد، وتوثيق التجربة ونقلها؛ لا يمثل فقط خطوات لتطوير أداء الاتحاد، بل هو مدخل ضروري لجعل الحراك الطلابي جزءا من البنية التحتية لأي مشروع وطني قادم يسعى لإعادة بناء اليمن على أسس ديمقراطية ومدنية. وبذلك، يمكن اختتام القول بأن اتحاد الطلاب اليمنيين في تركيا لا يمثل مجرد كيان طلابي في المهجر، بل هو نموذج مصغر لمشروع سياسي مدني يمكن مع توافر الظروف إعادة تصديره إلى اليمن، ليكون جزءا من خارطة الطريق نحو مستقبل يتأسس على المواطنة والشراكة والديمقراطية الفاعلة. لقد نجح الطلاب في المهجر فيما فشلت فيه نخب كثيرة في الداخل؛ وعليه، فإن إعطاء الشباب الفرصة والدعم ليكونوا ركيزة في بناء السلام والديمقراطية هو رهان يستحق أن يؤخذ بجدية.

يمكنكم الاطلاع على الدراسة كاملة:
دور_الحراك_الطلابي_اليمني_في_تركيا

Share