سميرة عبداللطيف | أكاديمية المجلس العربي
في بلد تآكلت فيه مؤسسات الدولة بفعل الحروب والانقسامات، وأصبحت خريطة النفوذ موزعة بين سلطات الأمر الواقع، بات العمل الحقوقي في اليمن واحدًا من أخطر الأنشطة المدنية، حيث يدفع النشطاء – خصوصًا النساء – ثمن التزامهم برصد الانتهاكات والدفاع عن الحقوق.
تقول قبول العبسي، رئيسة مؤسسة قرار للإعلام والتنمية ،عن تجربتها الممتدة لأكثر من عقدين: “بدأت عملي في الإعلام والعمل الحقوقي منذ عام 2002، أي قبل الحرب بسنوات، لكن مع اندلاع الحرب أصبح العمل الحقوقي ضرورة ملحّة وأخذ أبعادًا أكبر.
وأكملت: “كنا مجبرين على التوسع في نشاطنا والعمل في مجالات متعددة، واليوم يواجه الحقوقيون تحديات خطيرة من اختطافات واختفاء قسري، وتسييس العمل الحقوقي بالكامل حتى الاعترافات تُنتزع من الحقوقيين تحت التهديد والاتهام بالتخابر والخيانة.”
تعدد مصادر القمع
كان اليمن قبل الحرب يعاني من هشاشة في الوضع الحقوقي، ويسجل أرقامًا مرتفعة في الانتهاكات التي تطال المواطنين؛ لكن الحرب التي اندلعت أواخر 2014 فتحت الباب على مصراعيه لتسجل أرقامًا مخيفة في سجل الانتهاكات وانماطها، جعلت من اليمن يصنف كواحد من أخطر البلدان للعيش في العالم.
ترى العبسي أن النساء العاملات في مجال حقوق الإنسان يواجهن تحديات استثنائية، أبرزها التحريض الممنهج الذي يُمارَس ضدهن، في ظل غياب حماية فعلية تحصّنهن من المخاطروتضيف أن البيئة المنقسمة والمليئة بالفصائل والتجاذبات السياسية تُضاعف من حدة التهديدات، مما يجعل النضال الحقوقي مهمة محفوفة بالمخاطر والتحديات اليومية.
الحقوقية غز السامعي تؤكد أن بيئة العمل الحقوقي بعد اندلاع الحرب أصبحت أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، بسبب الانهيار القضائي وتسييس المؤسسات قائلة “قبل الحرب كنا نعمل في ظل قانون هش لكنه قائم. اليوم، نواجه تفككًا كاملاً في المنظومة القضائية، ومحاكم موازية، واستخدامًا سياسيًا سافرًا للقانون لقمع النشطاء.”
وتشير السامعي إلى أن بعض الحكومات والفصائل تحاول احتواء العمل الحقوقي وتوظيفه كأداة دعائية، مما يهدد حياد واستقلالية المجتمع المدني.
لؤي العزعزي، ناشط حقوقي وموثق لانتهاكات، تعرض للاعتقال أكثر من مرة في صنعاء، مأرب، وتعز، على يد أطراف مختلفة، لمجرد محاولته تسليط الضوء على الانتهاكات يقول لؤي “اتهمت بالخيانة والتخابر في صنعاء، وبالانتماء للحوثيين في مأرب، وبالعمالة في تعز. في كل مرة، أدفع ثمن الحقيقة.”
تجربت لؤي تكشف عن واقع مشوش لا يتسع لأي صوت محايد، حيث يُعامل المدافع عن حقوق الإنسان كعدو محتمل في كل جغرافيا سياسية داخل البلاد
الاعتداءات لم تَعُد موجهة فقط ضد حرية الحركة أو الكلمة، بل .
الاعتداءات لم تَعُد موجهة فقط ضد حرية الحركة أو الكلمة، بل امتدت لتستهدف السمعة والشرف، في إطار من الابتزاز النفسي والمجتمعي.
يقول عمر بارس، رئيس مؤسسة “وعي”:
“النشطاء الرجال أيضًا يواجهون اتهامات مفبركة، مثل التحرش أو الاعتداءات الجنسية، في محاولة لتدمير مصداقيتهم. يتم تلفيق قضايا كاملة لإسكاتهم، فقط لأنهم يوثقون الانتهاكات.”
ويحذر بارس من أن هذه الأساليب أصبحت ممنهجة، تستخدمها أطراف مختلفة لتصفية الحسابات مع من يرفعون صوتهم ضد الظلم، في ظل غياب أي تحقيق جاد أو قضاء محايد.
تراجع الثقة وغياب الحماية
في ظل هذا الواقع المتشظي، تغيب الثقة بين المجتمع المدني والسلطات فجميع الأطراف تتعامل مع الحقوقيين كخصوم سياسيين، وليس كأطراف محايدة تعمل بمهنية.
ورغم صدور تقارير دولية تُدين الانتهاكات، فإن أثرها الفعلي على الأرض يظل محدودًا جدًا، كما تؤكد العبسي: “نحتاج إلى أدوات حماية عملية، فالتقارير وحدها لا توقف الرصاص، ولا تفتح أبواب السجون. التضامن الدولي ضروري، لكنه بحاجة إلى آليات تنفيذية على الأرض.”
ورغم كل تلك التحديات، لا يزال عدد من النشطاء يواصلون توثيق الانتهاكات، مؤمنين أن الدفاع عن الحقوق هو معركة أخلاقية لا تحتمل التراجع.


