المجلس العربي | إسطنبول | 10 سبتمبر
في ظل التطورات المتسارعة التي أعقبت الافتتاح الرسمي لسد النهضة الإثيوبي، نظم المجلس العربي ورشة عمل متخصصة ناقشت مستقبل الأمن المائي في مصر والسودان، وركزت على الجوانب السياسية والقانونية والفنية، إضافة إلى السياسات الداخلية للتعامل مع تداعيات المشروع.
عسكرة ملف المياه وتهميش الخبراء
ناقش المشاركون الأثر السلبي لعسكرة إدارة ملف مياه النيل في مصر، حيث أدى ذلك إلى تهميش دور الخبراء المدنيين من مهندسين ومتخصصين في القانون الدولي. واعتُبر توقيع “اتفاق إعلان المبادئ” عام 2015 نتيجة لهذا النهج، مما أفقد مصر والسودان ضماناتهما القانونية والتاريخية، ووفّر غطاءً سياسيًا وقانونيًا لإثيوبيا لمواصلة بناء وتشغيل السد دون تنسيق.
غياب التنسيق المصري–السوداني
انتقدت الورشة غياب موقف موحد من الجانب السوداني طوال سنوات التفاوض، ما أضعف احتمالات تشكيل جبهة تفاوضية قوية مع مصر. وأوصى المشاركون بضرورة بناء رؤية مشتركة بين البلدين، من خلال تنسيق سياسي ومجتمعي بين القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني، بعيدًا عن الاعتبارات الفئوية أو المؤقتة.
الدعوة إلى استراتيجية بديلة
أجمعت التوصيات على ضرورة إعادة إدارة الملف إلى المؤسسات المدنية والخبراء المختصين، وتشكيل لجنة مستقلة من مصر والسودان لتطوير استراتيجية متكاملة تجمع بين المسارات السياسية، القانونية، والفنية. كما شددت على أهمية الانفتاح المدروس على قوى إقليمية ودولية، مع تجنّب الاعتماد على وساطات لم تُحقق نتائج ملموسة في السابق.
الإطار القانوني وضرورة تفعيل الاتفاقيات السابقة
أكد المشاركون على ثبات الحقوق المائية لمصر والسودان وفق قواعد القانون الدولي للأنهار الدولية، لا سيما مبدأ “عدم التسبب في ضرر جسيم”. ورأوا أن “اتفاق إعلان المبادئ” غير كافٍ وغير ملزم، داعين إلى إعادة الاعتبار للاتفاقيات السابقة، ومنها:
- اتفاق 1902 مع إثيوبيا.
- اتفاق 1929 بين مصر وبريطانيا.
- اتفاق 1959 بين مصر والسودان.
- اتفاق 1993 بين مبارك وزيناوي.
مخاطر فنية وبيئية تتطلب تقييمًا علميًا مستقلًا
تناولت الورشة المخاطر الفنية والبيئية المرتبطة بالتشغيل غير المنسق لسد النهضة، بما في ذلك تأثيره على تدفقات المياه، الزراعة، والبيئة في مصر والسودان. وأوصى الخبراء بإجراء دراسات مستقلة وشفافة بقيادة خبراء محليين ودوليين، لتقييم الآثار الفعلية وتفنيد الروايات الرسمية الإثيوبية.
إصلاحات داخلية موازية لمواجهة الأزمة
أكد المشاركون أن الإصلاحات الداخلية ضرورية للحد من الخسائر المحتملة، وتشمل:
- إعادة هيكلة إدارة الموارد المائية.
- التوسع في مشروعات التحلية وإعادة استخدام المياه.
- تحديث أساليب وتقنيات الري.
- إصلاح شبكات المياه ومعالجة الفاقد.
- إعادة العمل بنظام الدورة الزراعية لما له من أثر في ترشيد المياه وتحسين جودة التربة.
توصيات ختامية
خلص المشاركون إلى أن أزمة سد النهضة ليست فنية أو هندسية فقط، بل هي قضية سياسية ترتبط بالسيادة والأمن القومي. وأكدوا أن استمرار النهج المغلق في إدارة الملف، وغياب تنسيق فعال بين مصر والسودان، منح إثيوبيا القدرة على فرض سياسة الأمر الواقع.
ودعت التوصيات إلى:
- إعادة الملف إلى المؤسسات المدنية والخبرات المتخصصة.
- بناء جبهة مصرية–سودانية موحدة بخطاب قانوني وفني وسياسي متماسك.
- تفعيل أدوات الضغط الإقليمي والدولي بشكل أكثر فاعلية.
- المضي في إصلاحات داخلية جادة لتعزيز القدرة على الصمود.
واختتم المجلس العربي الورشة بالتأكيد على التزامه بدعم جهود حماية الأمن المائي في مصر والسودان، باعتباره جزءًا من معركة أوسع لحماية الحقوق والسيادة والتنمية العادلة في حوض النيل.