مؤلف كتاب عرب المستقبل : من أمة رعايا إلى أمة مواطنين، الدكتور محمد المنصف المرزوقي (ولد في 7 يوليو 1945 في قرمبالية) هو رئيس الجمهورية التونسية الرابع، وهو أول رئيس في الوطن العربي يأتي إلى سدة الحكم ديمقراطيا ويسلم السلطة ديمقراطيا إلى المعارض المنافس بعد انتهاء مدة ولايته.
يقول الكاتب في مقدمة كتابه 

لم تعرف شعوبنا طوال تاريخها باستثناء حقبة الغزو الصليبي والغزو المغولي؛ فترة بمثل الخطورة التي تمر بها اليوم.

هي دخلت القرن الواحد والعشرين من أسوأ الأبواب وفي أسوأ حالة عبر جملة من الظواهر لم يعد بوسع أحد إنكار تداعياتها الكارثية على وجودنا كآمة وشعوب ودول وجماعات وأفراد.

ما تعيشه سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان والصومال من تفكك دول وحروب أهلية طاحنة وتدخل خارجي وهجرات جماعية أمر فاق كل الكوابيس التي كنا نخشى.

ساذج من يتصور أننا أمام ظاهرة لا تهدّد بقية الدول: والحال أننا أمام بداية مسلسل قد

لا تسلم منه أغلب أقطارنا. والذنب أساسا على أنظمتنا السياسية التي ادّعت – سندا لشرعيتها – أنها هي التي ستخرجنا من الظلمات إلى النور.

لقد شكل الربيع العربي فرصة تاريخية لتمكين دولنا وشعوبنا من إصلاح سياسي واقتصادي كان مطلوبا بشدة من المجتمعات العربية. لكن رفض النظام السياسي العربي كل تأقلم وتجديد (باستثناءات نادرة مثل المغرب) وضربه هذه المحاولة عبر تنظيم وتمويل الثورة المضادة زاد الطين بلة. ففي سوريا وليبيا واليمن رأينا خراب الشعوب والدول نتيجة ثورة مضادة قرّرت أن تحرق الأخضر واليابس ولا تسمح بالتجديد. وفي مصر وتونس رأينا كل المشاكل التي أَدّت للثورة تتفاقم بسرعة بعد عودة النظام القديم للحكم.

كل هذا ينذر بدخولنا حلقة مفرغة ومفزعة. حيث ستكون الانفجارات المقبلة أعنف وأقوى من كل ما عرفنا، وذلك بفعل تضافر قوى رهيبة منها النفسية (الحقد المتبادل والمتنامي بين الطبقات الاجتماعية التي تخندقت واصطفت بعضها وراء الثورة والبعض الآخر وراء الثورة المضادة). ومنها الاجتماعية والاقتصادية (تفاقم الفقر والبطالة في ظل تواصل تعطل الآلة الاقتصادية نتيجة غياب الاستقرار السياسي). ومنها السياسية البحتة نتيجة احتداد الاستقطاب الثنائي بين الإسلاميين والعلمانيين والصراعات بين وداخل كل التنظيمات الحزبية.

هكذا ستضيع جهود الشعوب والأمة في احتراب داخلي قد ينتهي بخراب أوسع وأعمق مما نعيشه الان.