المجلس العربي – إسطنبول
21 نوفمبر/تشرين الثاني 2025
عقد المجلس العربي يوم الجمعة 21 نوفمبر 2025، في مقره بمدينة إسطنبول، ورشة عمل حقوقية متخصصة حول العدالة الانتقالية في سوريا، برئاسة الدكتور منصف المرزوقي، رئيس المجلس العربي والرئيس الأسبق للجمهورية التونسية، وبمشاركة نخبة من الخبراء، والقضاة السابقين، والحقوقيين، والباحثين السوريين والعرب، والإعلاميين، إضافة إلى ممثلين عن منظمات مجتمع مدني سورية.
هدفت الورشة إلى بناء تصور عملي وشامل لمسار العدالة الانتقالية في سوريا، في ضوء تعقيدات الصراع، وتعدد الانتهاكات، وغياب الأطر المؤسسية الفاعلة خلال العقد الماضي. وتناول المشاركون أربعة محاور رئيسية: تشخيص الحالة السورية، تقييم التحديات، تحديد آليات العدالة الانتقالية، وصياغة التوصيات للجهات الوطنية المعنية.
أولًا: تشخيص عام للحالة السورية
- العدالة الانتقالية ضرورة وطنية وليست خيارًا سياسيًا
اتفق المشاركون في الورشة على أن العدالة الانتقالية تمثل ركيزة أساسية لأي انتقال سياسي ناجح في سوريا، وهي شرط جوهري لاستعادة الثقة العامة، وتحقيق السلام الأهلي، ومنع تكرار الانتهاكات، وبناء دولة القانون القائمة على الكرامة وحقوق الإنسان. ورأى المشاركون أن نجاح أي مشروع سياسي سوري مستقبلي مرتبط بجدية الدولة في تطبيق مسار عدالة انتقالية ذي مصداقية.
- خطوة إيجابية: تشكيل هيئتين وطنيتين
ثمّن المشاركون خطوة تشكيل:
- الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية
- الهيئة الوطنية للمفقودين
واعتبروها مدخلًا مهمًا لبدء مسار العدالة، مشددين على ضرورة تمكين هاتين الهيئتين دستوريًا وماليًا وإداريًا، وتعزيز استقلاليتهما وشفافيتهما، ووضع آليات رقابية داخلية وخارجية تضمن العمل وفق معايير مهنية موحدة.
- خصوصية الحالة السورية وتعقيداتها
رصد المشاركون أبرز التحديات التي تميّز الحالة السورية عن غيرها من تجارب العدالة الانتقالية، ومنها:
- العدد الهائل للضحايا والمفقودين والمعتقلين.
- تعدد الفاعلين العسكريين المحليين والدوليين.
- استمرار بعض الانتهاكات في مختلف المناطق.
- تفكك مؤسسات الدولة وانعدام الثقة العامة.
- غياب إطار دستوري توافقي ومشروع وطني جامع.
- انتشار السلاح والمجموعات المسلحة خارج إطار الدولة.
- تدخلات خارجية تعقّد أي مسار وطني مستقل.
- وحدة الأراضي السورية كمبدأ غير قابل للتجزئة في أي مقاربة للعدالة.
وأكد المشاركون أن هذا الواقع يجعل العدالة الانتقالية مسارًا طويلًا ومعقدًا، يتطلب رؤية واقعية وتخطيطًا مؤسسيًا متدرجًا.
ثانيًا: أبرز القضايا التي ناقشتها الورشة
- حقوق الضحايا وحقهم في الحقيقة
أكدت الورشة أن الضحية هي محور العملية الانتقالية، وأن كشف الحقيقة شرط أساسي لمنع تكرار الانتهاكات. وتناول المشاركون:
- إنشاء أرشيف وطني موحد للانتهاكات.
- حماية الشهادات ومنع التلاعب بالذاكرة الوطنية.
- اعتماد معايير توثيق مستقلة ومطابقة للمعايير الدولية.
- حفظ الذاكرة الجمعية كجزء من ضمان عدم التكرار.
- المحاسبة العادلة ورفض الإفلات من العقاب
شدّد المشاركون على:
- المحاسبة الفردية للمسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
- رفض العفو الشامل أو التسويات السياسية التي تسقط المسؤولية الجنائية.
- رفض مقايضة العدالة باتفاقات مالية أو سياسية.
- ضرورة التعاون مع الآليات الأممية والدولية ذات الصلة.
- الاستفادة من الولاية القضائية العالمية لمحاكمة المتورطين.
- جبر الضرر وتعويض الضحايا
ناقش المشاركون آليات شاملة لجبر الضرر تشمل:
- إنشاء صندوق وطني للتعويض المادي والمعنوي.
- برامج إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي والمجتمعي للضحايا.
- توفير الدعم القانوني للضحايا وأسرهم.
- الاعتراف الرسمي بالضحايا كخطوة أساسية لعلاج الذاكرة الجمعية.
- إصلاح القضاء والأجهزة الأمنية
رأى المشاركون أن العدالة الانتقالية لا تكتمل دون إصلاح مؤسسي عميق يشمل:
- إعادة هيكلة القضاء والنيابة العامة.
- تفكيك شبكات الفساد والمحسوبيات.
- مراجعة البنية الأمنية وضمان خضوعها لسلطة مدنية منتخبة.
- بناء قضاء مستقل قادر على معالجة ملفات الجرائم الكبرى.
- إنهاء التعيينات السياسية في الجهاز القضائي واعتماد معايير موضوعية في الترقية والتعيين.
- الدروس المقارنة من تجارب دولية
استعرضت الورشة تجارب تونس، رواندا، جنوب أفريقيا، العراق ولبنان، وتوقف المشاركون عند:
- أهمية التكامل بين الحقيقة والمحاسبة وجبر الضرر.
- مخاطر العفو الشامل أو الاجتثاث الشامل.
- دور الاعتذار الرسمي في المصالحة الوطنية.
- دور المجتمع المدني في مراقبة وتقييم المسار.
ثالثًا: التوصيات العامة للمرحلة المقبلة
أولًا: على المستوى الوطني
- إقرار قانون شامل للعدالة الانتقالية
قانون يتضمن:
- آليات الحقيقة والمحاسبة.
- جبر الضرر.
- إصلاح القضاء والأجهزة الأمنية.
- معايير العزل السياسي الزمني لمنتهكي الحقوق الجسيمة.
- حماية الذاكرة الوطنية ومنع التلاعب بها.
- تضمين مبادئ العدالة الانتقالية في الدستور الجديد
خصوصًا:
- عدم التقادم على الجرائم الكبرى.
- استقلال القضاء.
- حق الضحايا في الحقيقة والإنصاف والتعويض.
- حماية الشهود والمبلّغين.
- ضمان سيادة القانون على جميع الأراضي السورية.
- وقف الانتهاكات الحالية فورًا
أكد المشاركون أن استمرار الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري والاغتيالات والفوضى المسلحة يقوّض أي مصداقية لمسار العدالة الانتقالية.
رابعًا: توصيات موجهة إلى وزارة العدل في سوريا
- إعادة هيكلة جهاز القضاء
تشمل:
- إنشاء مجلس قضائي مستقل لإصلاح المنظومة القضائية.
- إنهاء التعيينات السياسية داخل الجهاز القضائي.
- مراجعة أداء القضاة واستبعاد المتورطين في الفساد والانتهاكات.
- دمج معايير النزاهة والشفافية في الترقية والتعيين.
- إطلاق برامج تدريب متخصصة للقضاة والنيابة العامة
تشمل التدريب حول:
- معايير التجريم في الجرائم الدولية.
- قواعد الإثبات الخاصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
- آليات حماية الشهود والضحايا.
- القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي.
- إنشاء محكمة خاصة بالجرائم الدولية في سوريا
من خلال:
- إنشاء محكمة خاصة مستقلة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية،
أو - غرفة قضائية متخصصة داخل القضاء الوطني على غرار التجربة البوسنية.
مع ضمان: - صلاحيات واسعة،
- هيئة قضائية مختصة،
- تعاون دولي في التحقيقات.
خامسًا: توصيات موجهة إلى مجلس الشعب السوري المرتقب
- تعديل قانون العقوبات السوري
أ. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية
- إدراج تعريفات متوافقة مع نظام روما الأساسي.
- تجريم الانتهاكات الكبرى بصياغة دقيقة تمنع الالتفاف أو التأويل الواسع.
- تحصين النصوص القانونية ضد العفو السياسي.
ب. إلغاء التقادم على الجرائم الخطيرة
يشمل:
- القتل خارج نطاق القانون،
- الإخفاء القسري،
- التعذيب،
- العنف الجنسي،
- جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
- منظومة تشريعات مساندة
لتشمل:
- حماية الشهود،
- سرية البيانات،
- عدالة الإجراءات،
- شفافية المحاكمات.
سادسًا: توصيات موجهة إلى الهيئتين الوطنيتين
- الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية
- تطوير استراتيجية وطنية متدرجة تشمل مراحل: الحقيقة – المحاسبة – جبر الضرر – الإصلاح المؤسسي – المصالحة.
- تعزيز الشفافية عبر تقارير دورية للرأي العام.
- إشراك الضحايا ومنظمات المجتمع المدني.
- إطلاق نظام وطني لحماية الشهود.
- وضع معايير دقيقة لتصنيف المتورطين بحسب مستوى المسؤولية:
- مرتكبو الجرائم الكبرى،
- المتورطون الثانويون،
- المنخرطون قسرًا دون ارتكاب جرائم.
- الهيئة الوطنية للمفقودين
- إنشاء سجل وطني شامل للمفقودين والمختفين قسرًا.
- تطوير آليات تحقيق تشمل الخرائط، تحليل DNA، قواعد بيانات موحدة، وتوثيق مواقع الدفن المحتملة.
- تقديم الدعم النفسي والقانوني لأسر المفقودين.
- إصدار تقارير دورية توضح التقدم في التحقيقات.
- تفعيل التعاون الدولي خصوصًا مع:
- اللجنة الدولية للمفقودين (ICMP)،
- المفوضية السامية لحقوق الإنسان،
- آليات الأمم المتحدة ذات الصلة.
سابعًا: الذاكرة والمصالحة والإعلام
- حماية الذاكرة الوطنية من التزييف عبر مراكز توثيق ومواد تربوية.
- إنشاء مجالس مصالحة محلية تقوم على الاعتراف والاعتذار وجبر الضرر، لا الصفقات السياسية.
- إعداد “ميثاق شرف إعلامي” يرفض خطاب الكراهية ويعزز كشف الحقيقة وحماية الضحايا.
رؤية ختامية
خلصت الورشة إلى أن مسار العدالة الانتقالية في سوريا ليس مجرد آلية قانونية أو سياسية، بل هو عملية وطنية شاملة تتطلب:
- إرادة سياسية مستقلة،
- مؤسسات قضائية نزيهة وفعّالة،
- مشاركة واسعة للضحايا وأسرهم،
- مجتمع مدني قادر على الرقابة والمتابعة،
- تعاونًا دوليًا مستدامًا.
ورأى المشاركون أن تشكيل الهيئتين الوطنيتين للعدالة الانتقالية والمفقودين يُعدّ خطوة أولى مهمة، لكنها غير كافية ما لم تُدعّم بقضاء مستقل، وتشريعات متقدمة، وإجراءات شفافة، وإيمان راسخ بأن مستقبل سوريا لا يمكن أن يُبنى على النسيان، بل على الحقيقة والعدالة.

ورشة العدالة الانتقالية في سوريا – المجلس العربي

ورشة العدالة الانتقالية في سوريا – المجلس العربي

ورشة العدالة الانتقالية في سوريا – المجلس العربي

ورشة العدالة الانتقالية في سوريا – المجلس العربي
المرفقات:


