نظّم المجلس العربي، السبت، ورشة عمل دولية تحت عنوان: “تعزيز آليات توثيق الانتهاكات الحقوقية في سياقات النزاعات المسلحة – السودان نموذجًا”، بمشاركة شخصيات سياسية وحقوقية رفيعة المستوى، وعدد من الخبراء القانونيين والتقنيين، وممثلي منظمات المجتمع المدني السوداني والدولي، وممثلين عن ضحايا الانتهاكات وذويهم.
الورشة التي انعقدت في مقر المجلس العربي بإسطنيول تهدف إلى إطلاق منصة رقمية مستقلة ومتاحة للجميع لتوثيق الانتهاكات في السودان، تُسهم في بناء قاعدة بيانات حقوقية قابلة للاستخدام القانوني، وتكون أداة فعالة لمكافحة الإفلات من العقاب في سياق النزاع المسلح الذي يشهده السودان منذ عام 2023.

حضور نوعي يعكس أهمية الحدث:

تميّزت الورشة بحضور شخصيات سودانية بارزة، من بينها:
•وزير الخارجية الأسبق
•وزير الدفاع الأسبق
•ممثلون عن الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية
•ممثلون عن ضحايا الانتهاكات وذويهم
•عدد من قيادات منظمات المجتمع المدني السوداني
وقد وفّر هذا الحضور منصة تفاعلية للحوار بين الضحايا، والمجتمع المدني، والجهات المعنية بالعدالة، ما عزّز الطابع العملي للورشة وأكد الحاجة إلى أدوات توثيق مهنية ومستقلة.

السياق السوداني: الحاجة إلى توثيق مهني وعادل

منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، يعيش السودان كارثة إنسانية وحقوقية متفاقمة، حيث تم توثيق آلاف الانتهاكات، من بينها: القتل خارج القانون، الاغتصاب، الإخفاء القسري، التهجير الجماعي، وتدمير البنية التحتية، في ظل انهيار مؤسسات الدولة وغياب منظومة قضائية فاعلة.
واعتبر المجلس العربي أن توثيق هذه الانتهاكات ليس فقط ضرورة أخلاقية، بل مسار استراتيجي لبناء العدالة الانتقالية في المستقبل، وتمكين الضحايا من استعادة حقوقهم، ومحاسبة الجناة.

كلمات الافتتاح: توثيق الحقوق مدخل للعدالة

د. أيمن نور – نائب رئيس المجلس العربي:
“إن القضية السودانية تمثل اليوم اختبارًا أخلاقيًا وإنسانيًا حقيقيًا للمجتمع العربي والدولي. نحن لا نتحدث عن أرقام وضحايا فقط، بل عن قيمة الإنسان في هذا العالم. والمجلس العربي منذ تأسيسه يحمل في قلبه الدفاع عن الحريات وحقوق الشعوب، وعلى رأسها السودان.”
وأضاف: “نلتزم بوضع كل إمكانيات المجلس في خدمة مسار التوثيق والعدالة في السودان. لن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الكارثة الإنسانية.”

عماد الدائمي – المدير التنفيذي للمجلس العربي:
“الورشة اليوم ليست فعالية عابرة، بل لحظة تأسيسية لمسار طويل نحو بناء أداة موثوقة وفعالة لمساءلة منتهكي الحقوق. المنصة التي نطلقها هي في جوهرها أداة قانونية لمقاومة الإفلات من العقاب، ودعم ضحايا الجرائم بحق الإنسانية.”
وشدّد على أن المجلس العربي، من خلال “شبكة مكافحة الإفلات من العقاب”، سيعمل على تطوير هذه المنصة، وتأمين مواردها، وتدريب الجهات الميدانية على استخدامها بشكل احترافي وآمن.

عبد القادر – مدير منظمة كونيكشن (الشريك السوداني):
“ما نحتاجه اليوم ليس فقط التوثيق، بل توثيق يحترم المعايير، يؤمّن الضحايا، ويصنع الفرق. نحن نتعامل مع معاناة حقيقية، وجروح مفتوحة، والمنصة المقترحة هي مطلب وجودي للضحايا الذين فقدوا الثقة في النظام القضائي المحلي والدولي.”
ودعا إلى شراكة فعلية بين المنظمات السودانية والمجلس العربي لضمان استقلالية وفعالية هذه المبادرة.

المعتصم الكيلاني – مدير التقاضي الاستراتيجي بالمجلس العربي:
“العدالة تبدأ من التوثيق، والتوثيق يبدأ من معايير صارمة. نحن لا نوثق لنحفظ الملفات في الأدراج، بل لنبني قضايا، ونُحضر الأدلة، ونواجه المجرمين في ساحات القضاء، ولو بعد حين.”
وأوضح أن الورشة ركزت على ربط التوثيق بالتقاضي، وتأهيل المشاركين على استخدام الأدوات الرقمية والبروتوكولات الدولية الخاصة بتوثيق الجرائم.

أبرز محاور الورشة:

شملت الورشة عددًا من الجلسات العملية والنظرية، أبرزها:
•المبادئ القانونية لتوثيق الانتهاكات في النزاعات المسلحة.
•تقنيات جمع الأدلة الرقمية، وتوثيق الشهادات.
•حماية الشهود والمبلّغين في البيئات عالية الخطورة.
•التعاون بين المنظمات المحلية والدولية في التوثيق.
•عرض نماذج وتجارب دولية في توثيق الجرائم الدولية (سوريا، غزة، اليمن، ليبيا، رواندا…).

إطلاق المنصة الرقمية للتوثيق: مشروع حقوقي مستقل

أعلن المجلس العربي في ختام الورشة عن الشروع في تطوير وإطلاق منصة رقمية مستقلة لتوثيق الانتهاكات في السودان، ستكون مفتوحة لكل الجهات الحقوقية، وتهدف إلى:
•حفظ الأدلة والبيانات بشكل آمن وموثوق.
•تصنيف الانتهاكات وتوثيقها قانونيًا.
•توفير واجهة خاصة للضحايا لتقديم الشهادات.
•دعم جهود المساءلة القضائية المحلية والدولية.
•إصدار تقارير تحليلية دورية عن الوضع الحقوقي.

التوصيات الختامية

توصل المشاركون إلى جملة من التوصيات، أبرزها:
1.تشكيل لجنة متابعة دائمة من المجلس العربي والشركاء السودانيين للإشراف على تطوير المنصة وضمان فعاليتها.
2.تنظيم برامج تدريبية دورية لبناء قدرات الجهات الحقوقية في التوثيق القانوني والرقمي.
3.تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية المعنية بالعدالة الانتقالية والآليات الأممية.
4.إصدار دليل توثيق موحد يراعي خصوصية السياق السوداني ويعتمد على معايير دولية.
5.إطلاق حملات مناصرة إعلامية وحقوقية لتسليط الضوء على الانتهاكات الموثقة، وحشد الدعم الدولي للمساءلة.
خاتمة: لا عدالة دون توثيق، ولا توثيق دون استقلالية
أكد المجلس العربي في ختام الورشة التزامه الكامل بمرافقة جهود المجتمع المدني السوداني، وتوفير الدعم التقني والقانوني اللازم لتوثيق الانتهاكات وتحقيق العدالة. كما دعا جميع القوى الحية في السودان والمنطقة والعالم إلى الوقوف مع الضحايا، ومواجهة الإفلات من العقاب عبر الحق والقانون.
“نحن لا نعد بتحقيق العدالة غدًا، ولكننا نؤسس لها من اليوم.”

Share