في معرض الحديث عن ضرورة الديمقراطية لعالمنا العربي، نشير إلى ما كشفته تحركات ترامب بشأن إخلاء غزة عن مدى تأثر الأنظمة العربية بالضغوط الخارجية، بما يثبت ضرورة الديمقراطية كآلية لحماية القرارات السيادية من التدخلات الأجنبية، بالتالي فبناء أنظمة ديمقراطية في العالم العربي ليس مجرد مطلب سياسي، بل هو ضرورة لضمان استقلال القرار الوطني، بل واستقرار الحكم والحكام، خاصة في قضايا مصيرية مثل القضية الفلسطينية.
شاهد الكل ما تعرض له الملك عبدالله الثاني من ضغط هائل أثناء زيارته إلى واشنطن، حيث حاول ترامب إقناعه بقبول خطة التهجير، مهددًا بتخفيض المساعدات الأمريكية للأردن في حال الرفض. غير أن الملك الأردني تمسك بموقفه، مؤكدًا أن تهجير الفلسطينيين إلى الأردن يمثل “خطًا أحمر“، مع تأكيده على أنه ينتظر رد مصر ودول عربية أخرى، وبدا على الملك قدر كبير من عدم الارتياح.
أما الرئيس السيسي فكان قد عمد إلى مقاومة الضغوط عن طريق اللجوء إلى خطوة نادرة، حيث دعا الشعب إلى التظاهر رفضًا لخطة ترامب، في محاولة للاستناد على الشعب بعد أن شعر بغدر السند الخارجي.
وكانت الدعوة طبعا أمرا غير معتاد في مصر، حيث تتسم الحياة السياسية بالرقابة العنيفة والمشددة، لكنها عكست اضطرار النظام الحاكم إلى الاعتراف بينه وبين نفسه أنه في تلك اللحظة التي يتعرض فيها لتهديد وجودي لبقائه في السلطة بفعل ضغوط ”الأصدقاء“ الخارجيين، فليس أمامه إلا الاستناد للشعب!
لم تقتصر الضغوط على الأردن ومصر فقط، بل طالت دول الخليج، التي وجدت نفسها في موقف حرج بين والضغوط الأمريكية والتزاماتها تجاه القضية الفلسطينية والخوف من اهتزاز العروش بفعل غضب الشعب لو أحس بأي تفريط في القضية الفلسطينية.
ماذا لو كانت هذه الأنظمة ديمقراطية؟
يطرح هذا المشهد تساؤلًا مهمًا: ماذا لو كانت هذه الدول تحكم بأنظمة ديمقراطية تستمد شرعيتها من شعوبها؟ لو كان حكام الدول العربية منتخبين ديمقراطيًا، لكانوا أقل عرضة للضغوط الخارجية، لأن قراراتهم ستعتمد على إرادة شعوبهم وليس على المصالح الضيقة أو الضغوط الدولية. الحكومات الديمقراطية تمتلك هامشًا أكبر للمناورة السياسية، حيث يمكنها رفض الإملاءات الخارجية دون خوف من فقدان شرعيتها أو دعمها الداخلي.
مختار كامل | محلل سياسي مصري