المقدمة

في إطار الجهود المبذولة لتعزيز مفاهيم العدالة الانتقالية ودعم التحول الديمقراطي، نظم المجلس العربي – من خلال مشروع التقاضي الاستراتيجي – ورشة عمل بعنوان:
لماذا فشلت تجارب العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي في دول الربيع العربي؟ وهل يمكن لسوريا أن تستفيد من ذلك؟
شهدت الورشة حضور نخبة من الخبراء والسياسيين والحقوقيين، وعلى رأسهم الدكتور محمد المنصف المرزوقي، رئيس المجلس، الذي افتتح الورشة بتسليط الضوء على قضيتي الإفراج عن السيدة/ سهام بن سدرين (74 عامًا)، رئيسة “هيئة الحقيقة والكرامة”، التي تعرضت للسجن عقب انقلاب قيس سعيد بتهم ملفقة انتقامًا من المسار الذي سعت الثورة التونسية خلال فترة رئاسته لإرساء دعائمه في توثيق الانتهاكات، وجبر الضرر، وتخليد ذكرى الضحايا. وأوضح في كلمته أن خصوم الثورة تعاملوا بفروسية وشهامة مع بعضهم حينها، بينما يُمارَس اليوم الانتقام بصورة منهجية.

أبرز مداخلات الورشة

  1. الإرث والتجارب الدولية للعدالة الانتقالية
    • قدم الدكتور أسامة رشدي، مدير الورشة والمقرر السابق للجنة العدالة الانتقالية في المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر، تعريف العدالة الانتقالية وأهدافها، مع استعراض تجارب دول مثل جنوب أفريقيا، المغرب، رواندا، الأرجنتين، تشيلي، بيرو، غواتيمالا والسلفادور.
    • أوضحت الورقة المقدمة التحديات المشتركة التي واجهت هذه التجارب؛ من مقاومة سياسية وعسكرية، وتنفيذ ناقص للتوصيات، وإصدار عفو عن بعض المتهمين، مما أضعف جهود المحاسبة؛ إلى جانب التأكيد على ضرورة توافر الإرادة السياسية ودور المجتمع المدني في إنجاح المسارات.
  2. تجارب الربيع العربي: تونس، اليمن والسودان
    • قدم المهندس عماد الدائمي، أمين عام المجلس العربي والرئيس السابق لديوان رئيس الجمهورية التونسية بعد الثورة، ورقة بعنوان العدالة الانتقالية في تونس: المسار الموؤود، تناول خلالها المراحل التي مرت بها “هيئة الحقيقة والعدالة” على مدى أربعة أعوام، رغم النزاعات والصراعات التي حاولت عرقلة المسار.
      • كشفت الهيئة عن الانتهاكات منذ 1 يوليو 1955 وحتى 31 ديسمبر 2013، حيث تلقت 63 ألف شكوى ونظمت 1200 جلسة تحكيم ومصالحة، بالإضافة إلى 14 جلسة استماع علنية تركت شهاداتها أثرًا نفسيًا بالغًا على الشعب.
      • وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها التجربة التونسية من خلال ما أنجزته هيئة الحقيقة والكرامة من جهد، فقد حددت الورقة أسباب فشل مسار العدالة الانتقالية في تونس، حيث أبرزت عوامل سياسية (انقسامات حادة بين التيارات الإسلامية والعلمانية وضعف الإرادة السياسية)، ومؤسسية (نقص الدعم المالي والإداري للهيئة، وبطء القضاء ورفض الأجهزة الأمنية الانخراط في المسار)، واقتصادية واجتماعية (الأزمات والخيبات الشعبية)، إضافة إلى التدخلات الخارجية التي هدفت إلى إفشال المسار.

فتحت عنوان أسباب فشل المسار اعاد المهندس عماد ذلك إلى عدة عوامل مترابطة، منها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. إليك تحليل لأبرز الأسباب التي أدت إلى هذا الفشل:

  1. السياق السياسي المعقد

– الانقسامات السياسية: بعد الثورة التونسية، شهدت البلاد صراعات حادة بين الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية، خاصة بين الإسلاميين والعلمانيين. هذه الانقسامات أعاقت التوافق حول آليات العدالة الانتقالية وأهدافها. – كانت هناك معارضة قوية من بعض الأطراف السياسية، خاصة تلك المرتبطة بالنظام السابق، والتي رأت في المسار تهديدًا لمصالحها.

ضعف الإرادة السياسية: لم تكن هناك إرادة قوية من قبل الحكومات المتعاقبة لتفعيل توصيات هيئة الحقيقة والكرامة، مما أدى إلى إهمال العديد من القضايا المطروحة.

هيئة الحقيقة كانت تعمل ضمن مناخات عدوانية: الحزب الحاكم وحلفائه والرئيس المنتخب في 2014 كانت ضد وحاولت عرقلتها بكل الوسائل

أصدر الرئيس التونسي السابق الباجي قائد السبسي مشروع قانون المصالحة الإدارية في 2015، وتمت المصادقة عليه في 2017 كـ”القانون الأساسي رقم 62/2017″. يهدف القانون إلى “تحسين مناخ الاستثمار” عبر إنهاء الملاحقات القضائية ضد الموظفين العموميين المتهمين بفساد أو مخالفات إدارية خلال فترة حكم زين العابدين بن علي (1955–2011)، شريطة استرجاع الأموال المنهوبة.

  1. تحديات مؤسسية

– هيئة الحقيقة والكرامة: على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الهيئة، واجهت تحديات في تنفيذ توصياتها بسبب نقص الدعم المالي والإداري، بالإضافة إلى عدم وجود آلية واضحة لتنفيذ قراراتها. وخلافات لا تنتهي ونزاعات ايديولوجية وصلت إلى استقالات بالجملة لأعضاء مجلس الهيئة ورفع شكايات والتشكيك في الشرعية.

– القضاء: كان القضاء التونسي بطيئًا في معالجة قضايا الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، مما أضعف ثقة المواطنين في عملية العدالة الانتقالية.

الاجهزة الأمنية: رفضت الانخراط في المسار وسعت لحماية قياداتها السابقة من المحاسبة

– رئيس الجمهورية السبسي ورئيسي حكومته وكتلتهم في البرلمان كانوا ضد المسار وحاولوا تعطيله بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك تعطيل الميزانية ورفض إحداث صندوق الضحايا

  1. الوضع الاقتصادي والاجتماعي

– الأزمات الاقتصادية: التحديات الاقتصادية التي واجهتها تونس بعد الثورة، مثل البطالة وتردي الخدمات العامة، جعلت العدالة الانتقالية تبدو وكأنها أولوية ثانوية بالنسبة للكثيرين.

– التوقعات الشعبية: كانت توقعات الشعب التونسي عالية بعد الثورة، ولكن تباطؤ عملية العدالة الانتقالية وعدم تحقيق نتائج ملموسة أدى إلى خيبة أمل واسعة.

– الحملة الاعلامية المكثفة من اعلام الثورة المضادة ساهم في ضرب صورة العدالة الانتقالية وتجريم الضحايا باعتبارهم باحثين عن المال فقط ونضالهم يعنيهم هم ولا يعني بقية التونسيين.

  1. غياب المصالحة الوطنية

تم كشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات ولكن لم يحصل اعتذار من طرف المتهمين..

– عدم تحقيق العدالة للضحايا: العديد من ضحايا النظام السابق لم يشعروا بأنهم حصلوا على العدالة الكاملة، خاصة في ظل استمرار وجود بعض رموز النظام القديم في مواقع السلطة.

– الانتقائية في المحاسبة: اُنتقدت عملية العدالة الانتقالية لكونها انتقائية، حيث تمت محاسبة بعض الشخصيات بينما تم إعفاء أخرى لأسباب سياسية.

    5. التدخلات الخارجية

– الضغوط الدولية لم تكن ممن أجل إنجاح مسار العدالة الانتقالية وتوفير الامكانيات اللازمة له وإنما في أغلبها من أجل إفشال المسار حتى لا يشكل نموذجا لبقية بلدان المنطقة.

  1. ضعف المشاركة الشعبية

ظل التحرك من أجل العدالة الانتقالية محصورا أساسا في الضحايا ولم يشمل فئات واسعة.

ولم تكن هناك حملات توعية كافية لشرح أهمية العدالة الانتقالية وأهدافها، وهو ما أدى إلى انخفاض مشاركة المجتمع المدني والمواطنين في هذه العملية.

فشل مسار العدالة الانتقالية في تونس يعكس تعقيدات المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، حيث تتداخل العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لتحقيق نجاح أكبر، كان يجب تعزيز الإرادة السياسية، دعم المؤسسات القضائية، وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية العدالة الانتقالية كجزء من بناء دولة ديمقراطية.

  1. استخلاصات ودروس من التجربة

تجربة العدالة الانتقالية في تونس تقدم عدة دروس:

أهمية الإرادة السياسية: بدون دعم سياسي قوي، يصعب تحقيق أهداف العدالة الانتقالية.

ضرورة الإصلاح المؤسسي: العدالة الانتقالية لا تكتمل دون إصلاح المؤسسات التي كانت أداة للانتهاكات.

تعزيز الإطار التشريعي: ضرورة تطوير قوانين وتشريعات متكاملة توفر الأسس القانونية اللازمة، مع إصلاح المؤسسات القضائية لتكون قادرة على التعامل مع قضايا العدالة الانتقالية بفعالية.

الحاجة إلى التمويل الكافي: المسار يحتاج إلى موارد مالية وبشرية كافية لتحقيق أهدافه.

تعزيز المشاركة المجتمعية: يجب إشراك المجتمع المدني والضحايا في كل مراحل المسار لضمان نجاحه.

    • تحديد الأولويات الوطنية: يجب أن تكون العدالة الانتقالية جزءاً من رؤية أوسع للإصلاح الوطني، بحيث لا تتعارض مع الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية، بل تُكملها لتحقيق استقرار شامل.
    • قدم الأستاذ توفيق الحميدي، المحامي وعضو الشبكة العربية لمكافحة الإفلات من العقاب، ورقة تناولت التحولات السياسية في اليمن بعد ثورة 11 فبراير 2011، مستعرضًا مسار التدخلات الإقليمية والمبادرة الخليجية التي أدت إلى تنحي عبدالله صالح ونقل السلطة للرئيس عبد ربه منصور هادي وتشكيل حكومة وفاق وطني وسط آمال الشباب في إقامة نظام حكم ديمقراطي مدني.
    • قدم الدكتور إبراهيم ناصر، مسؤول القرن الأفريقي في الشبكة العربية لمكافحة الإفلات من العقاب ومدير مرصد الدراسات الأمنية وأبحاث السلام، بورقة تناولت العدالة الانتقالية في ظل الصراعات المسلحة في السودان؛ حيث من المقرر نشر ورقة مفصلة حول هذا الموضوع في المستقبل القريب.
    • قدم الدكتور أسامة رشدي ورقة بعنوان مصر العسكر واجهاض مسار العدالة الانتقالية، حيث بيّن أن شركاء ثورة يناير اختاروا عدم استفزاز المجلس العسكري والأجهزة الأمنية التي ظلت مسيطرة على البلاد، مما أدى إلى غياب ملف العدالة الانتقالية ضمن برامج الأحزاب، وانتهت الجهود بإفلات مرتكبي الجرائم مع التلاعب بتقارير لجان تقصي الحقائق التي تشكلت بعد الثورة (سواء تلك التي شكلها الفريق أحمد شفيق في فبراير 2011 برئاسة المستشار عادل قورة أو تلك التي شكلها الرئيس محمد مرسي في يوليو 2012 برئاسة المستشار عزت شرباس).
      • لجان تقصي الحقائق بلا قيمة قانونية:
        في محاولة لتهدئة الرأي العام أثناء أيام الثورة وقبل تنحي مبارك، تم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن أحداث ثورة 25 يناير 2011، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق (وفق القرار رقم 294 لسنة 2011 الصادر في 8 فبراير 2011). وقد استمرت أعمال اللجنة بعد تنحي مبارك، مستفيدة من زخم الأحداث، وقدمت تقريرًا شاملاً (400 صفحة مع ملحقات) إلى النيابة العامة وعرضت نسخة مختصرة (45 صفحة) في مؤتمر صحفي، توصلت فيه إلى أن الشرطة المصرية استخدمت “الرصاص الحي” ضد المتظاهرين في أحداث 28 و29 يناير، إلا أن التقرير اختفى وحُجب عن المحاكمات مما أثار تساؤلات واسعة.
      • أبرز القضايا والإجراءات القضائية:
        من بين القضايا التي صدمت الرأي العام، قرار محكمة النقض في 8 مايو 2013 برفض الطعن المقدم من النيابة العامة على حكم براءة 24 متهماً في قضية “موقعة الجمل” (2-3 فبراير 2011)، استنادًا إلى تقديم النيابة للطعن بعد انتهاء المدة القانونية. كما قضت محكمة جنايات القاهرة في 10 أكتوبر 2012 ببراءة جميع المتهمين، رغم الأدلة الدامغة التي جمعتها لجنة تقصي الحقائق.
      • الولاية القانونية للجان تقصي الحقائق:
        ناقشت لجنة برئاسة المستشار محمد عزت شرباش (المكونة في يوليو 2012) وضعها القانوني، مؤكدًا أن لها طبيعة رسمية ومهمة جنائية؛ حيث تستند تقاريرها إلى أدلة كتابية ومرئية وفقًا للمادتين 10 و11 من قانون الإثبات والمادة 100 منه. ومع ذلك، فقد أقرت اللجنة بمحدودية ولايتها القضائية، مشيرة إلى أن النيابة العامة هي صاحبة الدعوى الجنائية، مما يجعل قبول نتائجها من قبل المحاكم مرتبطًا بالأسس القانونية المعمول بها.
      • الإعلان الدستوري وبداية نهاية حكم مرسي:
        تناولت الورقة أيضًا إصدار الرئيس محمد مرسي لإعلان دستوري في نوفمبر 2012 في محاولة لمواجهة إفلات رموز النظام السابق من المحاسبة، إلا أن هذا الإعلان أثار جدلاً واسعًا وصُف بالديكتاتورية من قبل خصومه، مما ساهم في مواجهة سياسية أدت إلى عزله بالانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013.

تُعد التجربة المصرية درسًا هامًا في كيفية تلاعب الأجهزة الرسمية بالعمليات القضائية والإجرائية، مما أدى إلى إفلات مرتكبي الجرائم رغم الأدلة الدامغة، ويشكل تحديًا يجب معالجته في مساعي تحقيق العدالة الانتقالية.

  1. السيناريوهات المستقبلية وإمكانية استفادة سوريا
    • تناول الأستاذ معتصم الكيلاني، المحامي المتخصص في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان وعضو مؤسس في الشبكة العربية لمكافحة الإفلات من العقاب – مدير التقاضي الاستراتيجي في المجلس العربي ، سيناريوهات مستقبلية حول مسار العدالة الانتقالية وكيفية استفادة سوريا من الدروس المستفادة من تجارب الدول العربية الأخرى.

السيناريوهات المستقبلية لمسار العدالة الانتقالية في سوريا

  1. السيناريو المتفائل:
    • تحقيق تسوية سياسية شاملة بدعم دولي وإقليمي.
    • إنشاء هيئة وطنية مستقلة للعدالة الانتقالية.
    • محاكمات عادلة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
    • اعتماد نهج متوازن يشمل المساءلة والمصالحة لتعزيز الاستقرار.
  2. السيناريو المتعثر:
    • استمرار النزاع السياسي وغياب توافق وطني حول آليات العدالة الانتقالية.
    • هيمنة طرف واحد على العملية، مما يؤدي إلى تسييس العدالة.
    • بطء تنفيذ الإجراءات القانونية بسبب عدم استقرار المؤسسات القضائية.
  3. السيناريو المتشائم:
    • فشل المسار السياسي واستمرار الإفلات من العقاب.
    • استئناف الصراعات المسلحة وغياب أي آلية رسمية للعدالة الانتقالية.
    • لجوء الضحايا إلى المحاكم الدولية بدلاً من القضاء المحلي.

ثالثًا: الدروس المستفادة من التجارب العربية

  1. تجربة تونس:
    • إنشاء “هيئة الحقيقة والكرامة” للتحقيق في انتهاكات الماضي.
    • التركيز على المصالحة كجزء أساسي من العدالة الانتقالية.
    • ضرورة استقلال الهيئات المشرفة على العدالة الانتقالية لتجنب التسييس.
  2. تجربة ليبيا:
    • التحديات التي واجهتها ليبيا بعد الثورة أظهرت أهمية بناء مؤسسات قوية قبل الشروع في محاكمات واسعة النطاق.
    • ضرورة تهيئة بيئة سياسية مستقرة تضمن تنفيذ العدالة الانتقالية بفعالية.
  3. تجربة اليمن:
    • فشل العدالة الانتقالية بسبب غياب الإرادة السياسية والانقسام الداخلي.
    • أهمية وجود توافق وطني لضمان نجاح العدالة الانتقالية.

رابعًا: توصيات لتعزيز العدالة الانتقالية في سوريا

  • تشكيل هيئة وطنية مستقلة تحظى بدعم محلي ودولي.
  • ضمان مشاركة واسعة من المجتمع المدني والضحايا في صياغة آليات العدالة الانتقالية.
  • الاستفادة من الدعم الدولي لإنشاء محاكم مختلطة أو دولية إذا تعذر تنفيذ المحاكمات محليًا.
  • إصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية لضمان عدم تكرار الانتهاكات.

لا تزال العدالة الانتقالية في سوريا تواجه تحديات كبرى، لكن التعلم من تجارب الدول العربية الأخرى يمكن أن يساعد في تفادي الأخطاء وتعزيز فرص نجاحها. إن تحقيق العدالة والمصالحة يعدان عنصرين أساسيين لضمان الاستقرار المستدام وبناء مستقبل أكثر عدالة لسوريا.

  1. التحديات المشتركة وآفاق المستقبل
    • ناقش كل من المهندس عماد الدائمي والدكتور أحمد طعمة، رئيس الوزراء السابق للحكومة السورية المؤقتة بالخارج، التحديات التي تواجه إنجاح العدالة الانتقالية، مع التأكيد على دور المجتمع المدني في دعم العملية، والحاجة الملحة للإصلاح السياسي والقانوني وإعادة هيكلة العلاقة بين العدالة الانتقالية والاستقرار السياسي.
    • أدت المناقشات المثمرة بين الحضور إلى استخلاص توصيات نهائية تهدف إلى وضع خارطة طريق لتحقيق العدالة الانتقالية في سياق التحول الديمقراطي.

الدروس المستفادة والتوصيات

الدروس من تجارب العدالة الانتقالية الفاشلة في دول الربيع العربي

  1. غياب الإرادة السياسية الحقيقية:
    • افتقر مسار العدالة الانتقالية في دول مثل مصر والسودان واليمن إلى دعم سياسي واضح، مما حول الإجراءات الرمزية إلى آليات بلا أثر، بالإضافة إلى غياب الولاية الدستورية أو القانونية، وتدخل الهيمنة العسكرية والتدخلات الإقليمية.
  2. القصور في تصميم البرامج:
    • رغم تقدم التجربة التونسية مقارنة بغيرها، فقد افتُقدت آليات الإصلاح المؤسساتي والرؤية المتكاملة لربط العدالة بالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما أسهم في فقدان الثقة الشعبية.
  3. ضعف آليات المحاسبة وكشف الحقيقة:
    • استخدام مصطلح “المصالحة” لتجاوز المحاسبة الفعلية، مع غياب الشفافية الكافية لتوثيق الجرائم، سمح بإعادة إنتاج ممارسات القمع والاستبداد.
  4. التعامل السطحي مع قضايا جبر الضرر وإنصاف الضحايا:
    • لم تُعطَ الضحايا الأولوية الحقيقية، حيث غابت البرامج الفعالة للتعويض وإعادة التأهيل، مما أدى إلى تفاقم مشاعر الإحباط والانتقام.
  5. عدم إصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية:
    • أدى الحفاظ على الهياكل الأمنية والعسكرية القديمة واستمرار القضاء المسيس في مصر والسودان إلى إفشال التحولات الديمقراطية الحقيقية.
  6. سوء إدارة ملف الثروات الوطنية:
    • فشلت التجارب السابقة في حماية الموارد الاقتصادية من سيطرة القوى المضادة للثورة واستعادة السيطرة عبر شبكات المصالح المالية.

التوصيات المقترحة لبرنامج العدالة الانتقالية في سوريا

  1. تصميم مسار شامل ومتكامل:
    • ربط العدالة الانتقالية بعمليات الإصلاح السياسي على أسس وطنية تراعي الخصوصيات المحلية دون استنساخ نماذج جاهزة.
  2. ضمان كشف الحقيقة والمحاسبة:
    • توثيق كافة الانتهاكات والجرائم ونشرها بشفافية، مع تقديم المحاسبة الفعلية دون استغلال شعارات المصالحة لتجاوز المسؤولية.
  3. تحقيق جبر الضرر وإنصاف الضحايا:
    • توفير التعويض العادل وإعادة تأهيل الضحايا على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز على دمج الفئات المهمشة.
  4. إصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية بشكل جذري:
    • تفكيك الأجهزة الأمنية والقضائية التي تورطت في القمع، وإعادة هيكلتها بما يضمن استقلاليتها وخضوعها للرقابة الديمقراطية، وبناء قضاء نزيه ومستقل.
  5. حماية الثروات الوطنية:
    • وضع استراتيجيات لحماية الموارد الاقتصادية ومنع استعادة السيطرة من قبل القوى المضادة للثورة، مع إعادة توزيع الثروات بشكل عادل وربط الاقتصاد بعملية التحول الديمقراطي.
  6. تعزيز دور المجتمع المدني والإعلام:
    • تمكين المجتمع المدني من مراقبة العملية ورفع مستوى الوعي عبر الإعلام حول أهمية العدالة الانتقالية في إنجاح التحولات الديمقراطية.

الرسالة إلى سوريا الجديدة

في ظل تعقيدات المشهد السوري، تتجلى أهمية الاستفادة من تجارب الدول العربية الأخرى لتفادي الأخطاء السابقة. إن سوريا الجديدة بحاجة إلى مسار عدالة انتقالية يرتكز على مبادئ الحقيقة والمحاسبة وجبر الضرر وإصلاح المؤسسات وحماية الثروات الوطنية، مع ضمان استقلال القضاء ودمج كافة مكونات المجتمع في عملية المصالحة الوطنية. ويتوقف نجاح التحول الديمقراطي على توفر الإرادة السياسية والتزام القوى الوطنية بوضع العدالة في صلب عملية بناء الدولة، بعيدًا عن الانتقام أو استغلال شعارات المصالحة لأغراض شخصية.

الختام

يؤكد المجلس العربي – مشروع التقاضي الاستراتيجي – أن تحقيق العدالة الانتقالية ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو مسار سياسي ومجتمعي يتطلب رؤية استراتيجية واضحة وإرادة قوية من جميع الأطراف لضمان عدم العودة إلى أنظمة القمع والفوضى. ومن هذا المنطلق، يُدعى جميع القوى السياسية والمدنية للعمل المشترك من أجل بناء مسارات عدالة انتقالية ناجحة تحقق الإنصاف والاستقرار في الدول العربية التي تمر بمراحل تحول ديمقراطي.

صدر عن: المجلس العربي – مشروع التقاضي الاستراتيجي
إسطنبول، 22 فبراير 2025

Share