تقديم المؤتمر
انطلاقاً من التجربة التي عاشتها البلاد العربية بعد الربيع العربي، والتي شهدت فشل الانتقال الديمقراطي في تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا، وانتكاس الحراك الشعبي في الجزائر والسودان، وتراجع التجارب الديمقراطية في لبنان والعراق، وما رافق ذلك من انتعاش للاستبداد وتراجع للحريات وزيادة في منسوب القمع.
وأمام تراجع النموذج الديمقراطي في المنطقة العربية وفي العالم، في مقابل انتشار النزعات الاستبدادية والشعبوية، وزيادة تأثير المال والإعلام والأقليات المؤثرة على صناعة القرار في عديد البلدان.
وحيث تخوض شعوب كثيرة في العالم معارك كبرى من أجل التشبث بالديموقراطية والتصدي للأخطار الحقيقية التي تتهددها، ويحقق بعضها نجاحات ضد الدكتاتورية وضد الشعبوية بشكل يحيي الأمل في نفوس كل من يؤمن بالديموقراطية والحرية وحق الشعوب في اختيار من يحكمها.
وحيث أن نضالات شعوب المنطقة السلمية من أجل طي صفحة الاستبداد والفساد وتكريس الديمقراطية الحقيقية والمواطنة والحوكمة الرشيدة تظل ضعيفة الجدوى في ظل استقواء الانظمة بالعنف، وفي ظل التنسيق بين تلك الأنظمة ودعم عدد من القوى الإقليمية والدولية النافذة لأجل إبقاء الأوضاع على ما هو عليه ومنع انتشار موجة تحرر جديدة.
وأمام هذا المأزق الحقيقي المتواصل لشعوب المنطقة وقواها الديمقراطية التي تواجه منعزلة تحديات داخلية وخارجية تزداد صعوبة يوما بعد يوم، كان لزاما أن تهبّ تلك القوى وتنسّق جهودها وتتعاون من أجل فهم تلك التحديات ووضع التصورات والسياسات الكفيلة بالتصدي لها. وهو ما يفترض أن تنطلق مبادرات عديدة لخلق مناخات ملائمة لهذا العمل المشترك بين القوى الفاعلة في المنطقة.
في هذا الإطار، يدعو المجلس العربي مجموعة من خيرة المفكرين والناشطين السياسيين والإعلاميين والقانونيين والباحثين العرب، المؤمنين بالديمقراطية والمدافعين عليها، إلى مؤتمر دولي يومي 7 و8 أكتوبر/ تشرين الاول، في مدينة سراييفو عاصمة دولة البوسنة والهرسك، تحت عنوان “التحول الديمقراطي في العالم العربي. خارطة طريق“، وذلك لمناقشة واقع ومستقبل الديموقراطية في البلاد العربية، وللقيام بعصف ذهني جماعي من أجل بلورة خارطة طريق للنضال الديمقراطي في الدول العربية في العقود المقبلة تتضمن تحديد خصائص الديمقراطية المطلوبة وشروط نجاحها.
ويمثل المؤتمر فرصة للتفكير في طرق تشبيك العمل الديمقراطي العربي لتغيير واقع الديمقراطية بالمنطقة. كما نأمل أن يكون فرصة لبناء نواة “شبكة ديمقراطية عربية“ تعمل على مواصلة نضال أجيال متتابعة لتنعم شعوبنا بحق العيش بحرية، وفي كنف دولة قانون ومؤسسات وحكم رشيد، لكون الديمقراطية خيارنا الوحيد للخروج من المآسي التي تعيشها الشعوب العربية، وخاصة بعد أن عاشت عدة عقود من الاستبداد و التبعية والتخلف لشعوبنا.
كما سيكون المؤتمر فرصة لتقديم إسهام الديمقراطيين العرب في النقاش العالمي حول أزمة الديمقراطية في معاقلها بالغرب، وكيف يمكن تجديد مفهوم الديمقراطية وتطوير أشكال ممارستها في مواجهة الأمراض والعراقيل التي أصابتها في الصميم، وكيف يمكن بناء تحالف دولي واسع بين المدافعين عن الديمقراطية من مختلف الأجناس، وذلك بحضور ثلة من الباحثين الدوليين المعروفين المتخصصين في الديمقراطية.
وسبق للمجلس العربي تنظيم مؤتمرات وورشات عمل هامة، كان أبرزها مؤتمر ”عرب المستقبل من أمة رعايا إلى أمة مواطنين“ الذي عقد في اسطنبول في مارس 2019 بحضور 170 شخصية عربية انتهى ب“نداء إلى الأمة“ من أجل تعزيز ثقافة المواطنة وبناء اتحاد الشعوب العربية الحرة. وكذلك مؤتمر ”الديموقراطية أولاً في العالم العربي“ الذي انعقد في ديسمبر 2021 بالتوازي مع مؤتمر قمة بايدن للديمقراطية ووجه إلى القمة المذكورة نداء من القوى الديمقراطية العربية حول حق العرب في الديمقراطية وواجب الدول الديمقراطية في احترام إرادة الشعوب و رفع الدعم عن الحكام المستبدين.
أهداف المؤتمر
سيعمل المؤتمر على تحقيق الأهداف التالية:
الحث على تشبيك الجهود المختلفة في البلاد العربية لصالح تحقيق الديمقراطية، وتنسيق الجهود بين الديمقراطيين العرب لإيجاد حلول واقعية لصالح الشعوب.
العمل على بناء الأسس النظرية والعملية من أجل تجميع أكبر عدد من المؤمنين بالديمقراطية في البلاد العربية تحت مظلة تفكير وتنسيق واحدة.
الانطلاق في جهد مشترك لبناء خارطة طريق للديمقراطية في البلاد العربية.
المساهمة في النقاش العالمي حول مستقبل الديمقراطية وكيفية تطوير مفاهيمها وتطبيقاتها للخروج من أزمتها المستفحلة في العالم أجمع.
إعلان سراييفو
لتأسيس شبكة الديمقراطيين العرب
وتجديد الأمل في حركة التغيير العربية
08 أكتوبر 2023
نحن مواطني ومواطنات العالم العربي..
وفاءً لدماء الشهداء الأبرار الذين ضحَّوا بحياتهم في سبيل الحرية والكرامة بساحات التغيير، إبَّان ثورات الربيع العربي، وما سبَقها ولحِقها من نِضالات..
واضطلاعاً بمسؤولياتنا تجاه ضحايا الاستبداد، من سجناء الرأي والمضطَهدين، ومنتَهَكي الحقوق، وبواجبنا في رفع الظلم والحيف والمعاناة عنهم..
واستيعاباً لحرَج المرحلة التي تمرُّ بها منطقتنا العربية، المحشورة بين مطرقة الاستبداد وسندان الشَّعْبوية، مع تراجع النموذج الديمقراطي في العالم أجمع..
وإيماناً بقدرة أمَّتنا على التحرر والانعتاق، وتحقيق الحرية والكرامة، والديمقراطية والتنمية، بالإرادة الصلبة، والنضال الدؤوب، والتعاضد بين الأحرار..
وأداءً لأمانتنا تجاه الأجيال القادمة، التي تستحق علينا أن نُوَرِّثها مستقبلاً آمناً مُشرِقاً، وأوطاناً مستقرةً مزدهرةً، وزاداً من قِيَم الكرامة والحرية والديمقراطية..
واقتناعاً بأن النظام الديمقراطي هو وحده الكفيل ببناء دولة القانون والمؤسَّسات، الخادمةِ لأبناء شعبها، المتمتَّعين بالعدل والحرية، الموْفُورِي الكرامة الإنسانية..
وإيقاناً بأن الدول الديمقراطية هي وحدها القادرة على بناء فضاء عربي واحد، يحقِّق مطامح الشعوب العربية في الوحدة، ويسهِّل حياة الملايين من العرب..
وإدراكاً بأن الاستبداد، سواءً منه القديم المتصلِّب الجامد، أو الجديد الشَّعبوي التافه، لا أفق له غير مزيد من إغراق شعوبنا في الفقر والقهر، والتفرقة والتحارُب..
واقتناعاً بأن الديمقراطيات الناضجة الصلبة هي القادرة على مواجهة التحولات الكبرى التي تغير مصائر البشر اليوم، مثل التحول المناخي والذكاء الاصطناعي..
نعلن المبادئ الآتية في ختام مؤتمر “التحوُّل الديمقراطي في العالم العربي: خارطة طريق” الذي عقدناه يومي 7-8 أكتوبر 2023، بمدينة سراييفو، عاصمةِ دولة البوسنة والهرسك، ومدينةِ الجَمال الآسِر، والضيافة الكريمة، والتاريخ العريق .. :
أولاً: تأسيس شبكة للديمقراطيين العرب، تَجْمع المناضلين من أجل الديمقراطية من جميع الأقطار العربية، على اختلاف فئاتهم العُمُرية، ومشاربهم الفكرية، وانتماءاتهم السياسية. وهي شبكة أفُقية غايتها التنسيق بين الفاعلين الديمقراطيين العرب، وأصحاب الرؤية المستقبلية المفعمة بالأمل، المتسلحة بالفكر الحرّ والقيم الإيجابية. وذلك من أجل التمكين للديمقراطية في كل ربوع المنطقة، ونشر ثقافتها بين مختلف الفئات الشعبية في جميع الأقطار العربية. كما تسعى شبكة الديمقراطيين العرب إلى بناء الجُسور والعلاقات والتحالفات مع كافة القوى الديمقراطية في المنطقة والعالم، من أجل محاصرة التوجُّهات الاستبدادية والشعبويَّة، والتأثير على النظام الإقليمي الذي يسعى إلى تعطيل مسارات التحول الديمقراطي، تشبثا بمصالح أنانية آنية.
ثانيا: اعتماد خارطة طريق واضحة، غايتها دعم مسارات التحوُّل الديمقراطي في المنطقة وتسريعها، والإسهام في إنضاجها، وإخراجها من ضِيق العاطفيات، ونزعات المظلومية، وردود الأفعال المرتجَلة.. إلى آفاق المبادرات الجَسورة، والاستراتيجيات البنَّاءة، والخطط الواعية. وبناء المساحات المشتركة بين النخب العربية، وجمع كلمة القوى السياسية العربية على مبادئ الديمقراطية، مع الاعتراف بحق الاختلاف في البرامج السياسية، وفي الانتماءات الأيديولوجية، وفي الوصول إلى سُدَّة الحكم في انتخابات حرة نزيهة. وصياغة الاصلاحات الهيكلية والمؤسَّسية الكبرى في مجالات السياسة والاقتصاد والمجتمع، وابتكار الحلول للتحديات الكبرى المطروحة على أقطارنا وعلى أمَّتنا، لا في مجال الحقوق فحسبْ، وإنما أيضا في مجال تغيُّر المناخ والطاقة، والتحوُّلات الديمغرافية، والتطوّرات التكنولوجية.
ثالثا: العزم على العمل الجماعي المشترك، بكل الوسائل السِّلمية، سواء ما كان منها سياسيا، أو فكريا، أو قانونيا، أو إعلاميا.. حتى تحقيق النصر للمشروع الديمقراطي العربي، ودَحْر حِلْف الاستبداد والفساد والعمالة في المنطقة، تجسيدًا لتلازم المسارات في الدول العربية، وتحقيقاً لوحدة المصير بين الشعوب العربية. وإطلاق جهد جماعي كبير لتكوين الأجيال الجديدة في مجالات النضال السلمي، واستراتيجيات التغيير وشروطه وآلياته، والحكم الرشيد، والعدالة الاجتماعية، والمشاركة المدنية، وتأطير الحراك الشعبي، وبناء القدرات القيادية بالاستفادة من التقنيات الحديثة.. حتى تصبح الأجيال الجديدة قادرة على استلام المِشعل، وتحقيق آمال الآباء، وأحلام الأجداد.
ونحن ندعو شرفاء الأمة وقواها الديمقراطية للانخراط معنا في “شبكة الديمقراطيين العرب”، وتوحيد الجهود معنا، بالبناء على المشتركات، ونبْذ الخلافات، من أجل توفير شروط الانتصار في المعارك القادمة لاستئناف المسارات الديمقراطية المعطَّلة أو الموءودة. وكلنا عزمٌ على بذل الجهود، وتسخير الطاقات، وتقديم التضحيات، من أجل طيِّ صفحة الاستبداد والفساد والتبعية في أوطاننا خلال أمد قريب، وتحقيق مبدأ المواطَنة الحُرَّة الكريمة في بلداننا، وإرساء اندماج فعَّال بين شعوبنا العربية، على أساس الحرية والكرامة والديمقراطية.. “إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.”