اخواني أخواتي، ضیوفنا الكرام

باسم المجلس العربي وباسمي الخاص أرحب بكم اشد الترحاب واشكركم جمیعا على تلبیة دعوتنا لحضور

ھذا المؤتمر الدولي الثالث الذي ینظمه المجلس في إطار دوره في الدفاع عن الثورات الدیمقراطیة في الوطن العربي

أیھا الاخوة والاخوات

نحن مجتمعون ھنا في ضیافة مدینة سراییفو المعروفة عالمیا بجمالھا الباھر وبتاریخھا النضالي الطویل من أجل كرامة وحریة الشعوب والانسان. وفي جمھوریة البوسنة التي قبلت بعقد ھذا المؤتمر على أرضھا. اسمحوا لي أن اشكر باسمكم جمیعا شعب وحكومة البوسنة على ھذه الاستضافة وأخص بالامتنان أصدقائنا البوسنیین في ”مركز الدراسات المتقدمة“ الذین ما كنا نستطیع تنظیم ھذا اللقاء لولا دعمھم الكامل.

كما لا یفوتني شكر فریق العمل الذي سھر في أصعب الظروف على توفیر شروط النجاح لھذا اللقاء، وخاصة من شباب ”مؤسسة توكل كرمان“ وتلفزیون بلقیس وتلفزیون الشرق وبقیة المتطوعین.

السؤال طبعا ھو لماذا نعقد مؤتمرا عن الدیمقراطیة أساسا في الوطن العربي خارج بلداننا. السبب جد بسیط ھو اننا لم نجد بلدا عربیا واحدا نستطیع أن نجتمع فیه بأمان وبقبول وتفاھم مع السلطة المحلیة.

ھذا المنع مجرد ظاھرة من بین الظواھر المتعددة والمتفاوتة الخطورة على الوضع المأساوي للدیمقراطیة والمتمثل أساسا في العدد الھائل لمساجین الرأي في السجون العربیة خاصة في مصر وتونس التي تشھد سجونھا إضرابات جوع القیادات الدیمقراطیة المعتقلة تحت طائلة اتھامات لا أخطر منھا ولا أكثر سخافة. كل ھذا مؤشر بلیغ عن وضع الدیمقراطیة في أوطاننا المنكوبة بالاستبداد وبانتصار الثورات المضادة على كل مشاریعنا لبناء دول قانون ومؤسسات.

اسمحوا لي ھنا أن ابعث باسمكم جمیعا من سراییفو المدینة المناضلة بكل عبارات المحبة والتضامن والأمل في خلاص قریب لكل مساجین النضال الدیمقراطي في كل السجون العربیة، وكذلك بكل عبارات المحبة والمواساة لعائلات بریئة تدفع ثمنا باھظا من الالام لسیاسات مجرمة وغبیة تكلف شعوبنا ثمنا باھظا من الدماء والدموع دون أن تعود على مرتكبیھا إلا بلعنة التاریخ ولعنة المظلومین.

ھنا أسارع بالتأكید على أننا لم نتواعد لنبكي حال المشروع الدیمقراطي في بلداننا ولا لتبادل اللوم والتھم بخصوص فشل الدیمقراطیین في استغلال الفرصة الذھبیة التي شكلتھا ثورات الربیع العربي لبناء أنظمة دیمقراطیة صلبة ومستدیمة.

لسنا ھنا أیضا لإقناع أنفسنا بمواصلة النضال وبأننا خسرنا معركة ولم نخسر الحرب فكلنا مقتنعون بأن الدیمقراطیة وحدھا القادرة على تحقیق شروط عودتنا لساحة التاریخ أي دول قانون ومؤسسات وشعوب من المواطنین لا من الرعایا ولم لا اتحادا بین الشعوب العربیة الحرة على غرار ما استطاعت تحقیقه الشعوب الأوروبیة بعد تخلصھا من أنظمتھا الاستبدادیة التي كانت عنصر تفرقة وتباغض وحروب كما ھو الحال الیوم في بلداننا.

السؤال إذن ما الذي یجمعنا بما أننا متفقون جمیعا على ھذه النقط؟

أیھا الاخوة والأخوات

نحن ھنا بصفتنا كمناضلین من أجل الدیمقراطیة سواء كان نضالنا على الصعید الفكري أو الصعید السیاسي علما وأنه لا یمكن الفصل بین المیدانین.

ونحن ھنا كمناضلین من أجل الدیمقراطیة وھي في أصعب وضع منذ نھایة ثمانینات القرن الماضي حیث لا یشكل فشل الربیع العربي إلا جزءً من التراجع والوھن الذي تعاني منه في العالم كما تشھد بذلك كل الدراسات والتقاریر الجدیة مثل2021 The global state of democracy  الذي أصدرته منظمة  IDEAالسویدیة سنة 2022 والذي راجع التدھور المثیر للقلق الشدید بخصوص وضع الدیمقراطیة في العالم.

السؤال بالطبع ھو عن أسباب مثل ھذا الوضع… لماذا ھذا التراجع في موجة الدیمقراطیة التي اعتقدنا في نھایة القرن الماضي أنھا ستعصف بكل الأنظمة الاستبدادیة فإذا بنا نراھا مھددة في عقر دارھا وكلنا نتذكر صورة الھجوم على الكونغرس في 6 ینایر 2021 وما احتوى علیه من دلالات بالغة الخطورة.

تحرّم علینا النزاھة الفكریة والبحث عن النجاعة في الفعل السیاسي الاكتفاء باتھام الاستبداد بعرقلة مشروعنا العظیم لأنه لیس موجودا الا لھذا.

المطلوب منا مسائلة تجاربنا الدیمقراطیة عموما والعربیة على وجه الخصوص لمعرفة أین توجد الثغرات في الفكر والنواقص في الفعل التي قد تكون ھي الأسباب الرئیسیة لما نشھد من انحسار الموجة الدیمقراطیة.

إن ما یجب الا یغیب عن أذھاننا أبدا ان الدیمقراطیة في شكلھا الحالي لیست الا لحظة من تاریخ طویل انطلق من مجالس القبائل والمدن وسیتواصل في المستقبل لیتخذ اشكالا قد تصیبنا بالدھشة لو فتح لنا باب المستقبل

ھذا النظام یتعلم ككل الانظمة الحیة أكانت انظمة بیولوجیة او فكریة من تجاربه اي من اخطاء ونواقص یقع تصحیحھا باستمرار مما یمكن النظام من البقاء والتواصل عبر الزمان.

لحسن حظنا ھناك زخم ھائل من التجارب راكمتھا الدیمقراطیة خلال قرنین من التجریب في كل الثقافات البشریة وفي أكثر من مائة بلد.

ھذه التجارب ھي التي تطرح علینا بحدة جملة من الاسئلة التي یتوقف عن حسن الإجابة عنھا وحسن العمل باستنتاجاتھا مصیر التجربة الدیمقراطیة في أكثر من بلد.

من أھم الأسئلة التي تطرحھا علینا التجربة التاریخیة للنظام ككل :

-1 كیف یمكننا حمایة أدوات الدیمقراطیة أساسا حریة الرأي وحریة التنظم من سطوة المال الفاسد الذي

أثبت دوما قدرته على تطویع ھذه الآلیات لمصلحته لا للصالح العام؟ ھل الدیمقراطیة النظام الذي یستبدل حكم الأفراد بحكم الفرد؟

-2 كیف نواصل الثقة والعمل بالانتخابات في ظل تنامي قدرات الاعلام الفاسد والدور المدمر لشركات وأجھزة مخابرات دولیة على دفع تضلیل المواطنین الى أبعد الحدود وارباك الناخبین في خیارات مصیریة؟

-3 حتى ولو كانت الانتخابات فعلا حرة ونزیھة، ھل یمكن لرأي خمسین في المائة زائد صوت من

المنتخبین الذین ھم جزء من القائمات الانتخابیة التي ھي جزء من قائمات الذین لھم حق الانتخاب التي ھي جزء من تعداد المواطنین الذین ھم في عمر الانتخاب ان تدعي النطق بإرادة الشعب وأن تبني شرعیة النظام الدیمقراطي؟

ماذا نفعل عندما تكون إرادة ھذه الأغلبیة المتحركة منافیة لقیم حقوق الانسان مثل الغاء عقوبة الإعدام او والأعراف الدولیة مثل الاعتراف للشعب الفلسطیني بحقوقه.

-4 ھل فصل الدیمقراطیة التي ھي في الإعلان العالمي لحقوق الانسان جملة الحقوق السیاسیة عن الحقوق الاقتصادیة الاجتماعیة الواردة في نفس الإعلان أمر في صالح النظام الدیمقراطي؟ الیس من الأجدى لنا اعتبار الحقوق السیاسیة والحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة وجھان لنفس العملة ولا یمكن الفصل بینھما كما تفعل الدیمقراطیة اللیبرالیة الغربیة لا لشيء إلا لأن الاستبداد العسكري البولیسي أو الاستبداد الشعبوي یستند دوما للتشریع لنفسه على ادعاء تمثیل العدالة الاجتماعیة لسلب الحریات.

-5 أخیرا ولیس آخرا لقد أظھرت تجربة الربیع العربي استحالة نجاح الدیمقراطیة في بلد واحد إذا تحالفت علیھا الأنظمة الاستبدادیة الإقلیمیة. كیف نواجه سیاسیا ھذا الفیتو الإقلیمي في ظل سكوت وحتى تواطؤ الأنظمة الدیمقراطیة الكبرى الذي یفترض أنھا تدافع عن بناء النظام الدیمقراطي في كل مكان وھي كما نرى في بلداننا من أكبر داعمي الأنظمة الاستبدادیة.

في ھذه الحالة كیف یمكن وصف ھذه الأنظمة؟

ھل من یمارس الفضیلة في بیته ویحثّ على الرذیلة أو یشارك فیھا خارج بیته نصف فاضل أو نصف رذیل مما یعني ھل الأنظمة الدیمقراطیة التي تساند الاستبداد نصف دیمقراطیة ام نصف استبدادیة؟

أیھا الاخوة والأخوات

لسنا لا أول ولا آخر من ألقى ھذه الأسئلة وكما تعلمون الجدل حول الدیمقراطیة لم یتوقف منذ السجال حولھا بین افلاطون وأرسطو.

كذلك لسنا وحدنا من یعكف على الموضوع فھو على طاولة الباحثین والسیاسیین في أكثر من مكان في العالم.

نحن فقط جزء من ھذا الحراك الفكري السیاسي العابر للزمان والمكان ولقائنا الیوم في ھذه المدینة الرائعة الجمال لیس صدفة وإنما لحظة من تفكیر جماعي یجب أن یكون على قدر التحدیات التي تواجھھا

دیمقراطیة محاصرة ومواجھة بتحدیات ضخمة غیر مسبوقة.

قد تكون مساھمتنا الوحیدة في ھذا التفكیر الجماعي محاولة الردّ على الأسئلة والتحدیات المطروحة من خارج الصندوق.

Kate Raworth اسمحوا لي ھنا أن استشھد بمقولة بالغة الأھمیة للاقتصادیة البریطانیة

أننا نحن المختصون في علم Doghnut Economics حیث كتبت في كتاب مثیر عن الاقتصاد عنوانه

الاقتصاد ندرس اقتصاد القرن الواحد والعشرین بمنھجیة القرن العشرین وبأیدلوجیا القرن التاسع عشر استوقفتني ھذه الجملة وتساءلت ھل من الممكن أننا نحن أیضا نطرح مسألة الدیمقراطیة في القرن الواحد والعشرین بكل ما یعرفه المجتمع من ثورة وطفرة في التكنولوجیا ومن مشاكل غیر مسبوقة مثل التحول المناخي والھجرات المكثفة بمنھجیة القرن العشرین وبأیدیولوجیا المفكرین الغربیین في القرنین الثامن والتاسع عشر.

للأسف أعتقد اننا في مثل ھذا الوضع ومن ثم حاجتنا الى فكر وفعل دیمقراطي في القرن الواحد والعشرین بمنھجیة القرن الواحد والعشرین وبأیدیولوجیا القرن الواحد والعشرین مما یعني أن علینا لا فقط الامعان في التعامل مع المشاكل القدیمة ولكن مواجھة مسائل غیر مسبوقة أساسا

التحدیات الضخمة الثلاثة للقرن الواحد والعشرین:

-1 كیف تستطیع الدیمقراطیة تجنید المجتمعات المدنیة في العالم لوقف التدمیر الممنھج للطبیعة ھذه الجریمة العظمى التي ترتكبھا الشركات الرأسمالیة الكبرى والدول الاستبدادیة؟

-2 كیف تستطیع الدیمقراطیة تجنید المجتمعات المدنیة ضد استحواذ الاستبداد على الذكاء الاصطناعي وھو ما قد ینذر بدخول البشریة جمعاء تحت سیطرة قوى جبارة لا وجه لھا ولا مقتل؟

-3 كیف تستطیع الدیمقراطیة تجنید المجتمعات المدنیة في البلدان المتقدمة لمواجھة الھجرات الجماعیة دون الركون للدواء الذي تقترحه الأحزاب الیمنیة المتطرفة وھو أمرّ من الداء وكیف تستطیع تجنید المجتمعات المدنیة في البلدان الفقیرة للقضاء على الفساد والقمع والحوكمة الردیئة أي اھمّ أسباب ھذه الھجرات غیر المسبوقة في التاریخ الحدیث.

أیھا الاخوة والأخوات

من نافل القول إننا لن نبت في مثل ھذه المشاكل الضخمة في اجتماع لا یدوم إلا یومان. كل طموحي وطموح الأستاذة توكل كرمان والدكتور أیمن نور والمھندس عماد الدایمي الساھرین معي على عمل المجلس العربي ھو أن ینطلق بینكم النقاش المعمق وأن یتبلور عبر عصف ذھني جماعي براعم ردود سنواصل العمل علیھا ربما في ملتقیات تتوسع فیھا الدائرة إلى باحثین وسیاسیین من الصین والھند وأوروبا وامریكا وافریقیا لأن الدیمقراطیة الیوم قضیة واحدة ومعركة واحدة ومصیر واحد.

نحن نأمل من اجتماعنا ھذا ولادة شبكة مرنة تتطور داخلھا علاقات وثیقة بین المفكرین والسیاسیین الحاضرین معنا لدعم ومساندة التیارات الدیمقراطیة في بلداننا العربیة حتى نكون فعلا في مستوى التحدیات الضخمة التي یجب ألا ترھبنا وإنما أن تشحذ فینا كل طاقات الخلق والابداع.

ختاما كل الشكر لما بذلتم من جھد ولما ستبذلون ھذین الیومین حافلین ولا تنسوا في الختام أن تأخذوا نصیبكم من الدنیا في قضیة الحال من سراییفو ومن جمالھا الأخاذ وطیبة أھلھا وحسن استقبالھم لأھلنا.

والسلام علیكم ورحمة لله وبركاته.

Share