مر نحو أربع سنوات على قتل وتقطيع الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا دون تحقيق حتى الحد الأدنى من العدالة. لقد أفلت القاتل من العقاب، بل تم مكافأته ومكافأة مساعديه الذين ارتكبوا واحدة من أفظع الجرائم وأكثرها بشاعة. إن عملية قتل جمال خاشقجي تجسد مقولة “إرهاب الدولة”.
الاصدقاء الاعزاء..
تعد قضية جمال خاشقجي دليل على أن السياسة يمكن أن تتغلب على العدالة. لكن هذه الخلاصة غير الجيدة، لا يجب أن تجعلنا نتخلى عن الدفاع عن العدالة، وعن حقوق الإنسان، فلطالما كانت المواجهة بين الطغاة ودعاة الحريات وحقوق الانسان غير متكافئة. لقد ألقت حادثة جريمة خاشقجي الضوء على سلوك الانظمة الديكتاتورية تجاه أي أفكار أو دعوات من شأنها إحداث إصلاحات سياسية حقيقية.
إن وجود أصوات ومنابر تدافع عن الحرية والاحرار أمر بالغ الاهمية، ومن هنا، اود أن أثني على قرار اطلاق اسم جمال خاشقجي على الشارع الذي تقع فيه السفارة السعودية، فالقرار يمكن أن يكون رسالة للانظمة التي تمارس الارهاب بحق مواطنيها بأن الجرائم التي تستهدف دعاة الديمقراطية يجب أن لا تمر بدون مساءلة، أو محاسبة، مهما كانت سطوة السياسة وصفقاتها.
في هذا السياق، لا تبدو التصريحات الامريكية الرسمية والتي تشير لتنازل بايدن عن تعهداته في مجال دعم حقوق الانسان في العالم مشجعة، يبدو هذا الموقف انتهازيا وغير عادل. لست هنا لأقول للامريكيين ما الذي ينبغي عمله، ولكن من المهم أن تقدم الادارة الامريكية ما ينسجم مع مواقفها المعلنة وان لا تقدم نموذجا سيئا في مجال العدالة وحقوق الانسان.
بحسب تصريحات لبايدن فإن زيارته للسعودية هدفها توسيع دائرة السلام، ولا أعرف إن كانت اليمن هي ضمن هذه الدائرة أم لا؟ يمكن للرئيس بايدن أن يتأكد من أن النظامين السعودي والاماراتي ضالعان في حرب مدمرة تشن على اليمن منذ ٨ سنوات. لقد اسهمت الرياض وابو ظبي في تهميش وتدمير الشرعية اليمنية، ودعم جماعات وميليشيات مسلحة تنازعها صلاحياتها، ما يهدد الأمن والاستقرار خلال المرحلة المقبلة. ومن نتائج تلك السياسات غير البناءة التي تنتهجها الرياض وابو ظبي أن ميليشيا الحوثي وهي جماعة تعتنق أفكاراً فاشية وعقيدة متطرفة باتت هي المستفيد الأول من السياسات السعودية والاماراتية، وحسب رويترز فإن السعودية والحوثيون يخوضان مفاوضات جدية لإقامة علاقات طبيعية بينهما.
عندما يلتقي بايدن محمد بن سلمان ربما ينبغي عليه أن يسأله عن العبث الذي تتم ممارسته في اليمن، فهذا الأمر قد يساعد في إقامة سلام حقيقي في اليمن. دعوني أصارحكم أن السياسة السعودية والاماراتية في اليمن كارثية، وللاسف يحدث ذلك بتعمد واضح، ولكي تتم الاحاطة بالوضع في اليمن، ينبغي أن أشير بشكل واضح إلى الدور التخريبي الذي تلعبه حكومة ملالي إيران تجاه اليمن ودعمها ميليشيا الحوثي الذي لا يؤمن بالعمل السياسي ويقمع الحريات على نحو شامل.
في ضوء تلك المعطيات، لطالما طالبت أن يكون للولايات المتحدة سياسة مستقلة تجاه اليمن الذي يعد من أعرق بلدان المنطقة ويتحكم في واحد من أهم المضايق في العالم، لكن هناك عدم مبالاة امريكية على ما يبدو. لتوسيع دائرة السلام والتزامات سابقة تجاه احلال السلام في اليمن، ينبغي أن يكون هناك دبلوماسية امريكية نشطة وضغوط أكبر على داعمي التخريب في اليمن والمنطقة.
الاصدقاء الاعزاء..
مات جمال خاشقجي بطريقة بشعة، لكنه سوف يعيش رمزاً للحرية، هذا ما سوف يدونه التاريخ، وما اطلاق اسمه على هذا الشارع إلا أحد الادلة على ذلك. لا شك ان جمال لم يكن يريد أن يموت على الأقل بتلك الطريقة الوحشية، لكنه الان، بات حرا أكثر من أي وقت مضى، أما الذين خططوا ودبروا لعملية قتله، فقد طوقوا اعناقهم بذنب لن يستطيعوا محوه مهما فعلوا.. العدالة قد تتأخر لكنها حتما سوف تأتي.