ليس لدي للآن دليل واحد، على جدية حديث السيسي، أمس الخميس 21 إبريل 2022، في لقائه مع الإعلاميين، عن الاحتياج لحوار سياسي في مصر

وليس لدي – أيضًا – سببًا لتجاهل هذه الدعوة، رغم أنها بدت مختزلة بشكل مُخل، وغامضة بشكل مربك، وبلا ملامح أو مقدمات أو محددات واضحة.

نعم أشار السيسي، أنه سيعرض لمزيد من التفاصيل حول دعوة الحوار في إفطار الأسرة المصرية، لكن هذه التفاصيل تحتاج أن تقدم إجابات وافية وواضحة لخمسة من الأسئلة والاستفهامات المشروعة، أهمها في تقديري الشخصي الآتي :-

أولاً :

هل نحن بصدد دعوة لحوار “وطني” واسع، بين كل العائلات السياسية المصرية بمختلف أطيافها، ومشاربها الفكرية، ومواقعها الجغرافية – في الداخل والخارج – أم أننا بصدد حوار “سياسي” بين النظام وأنصاره ومؤيديه، أو حتى أنصاف معارضيه؟؟

ثانيًا :

ما هي الجهة المؤهلة، لتوجيه الدعوة، وما هي المظلة الحاضنة والراعية لمثل هذا الحوار، والمحددة لمراحله، والقادرة على تهيئة بيئة مناسبة لتنقية الأجواء من شوائبها وصولاً للنتائج المرجوة من الحوار؟؟

ثالثًا :

كيف يتم التوافق على أجندة هذا الحوار، وترتيب أولويات الإصلاحات السياسية والدستورية، والقانونية، والحقوقية في هذه الأجندة؟؟

رابعًا :

من هم شركاء هذا الحوار، هل هم القوى الوطنية والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والسلطات القضائية والمؤسسات الدينية، والشخصيات العامة والمستقلة؟ أم هو حوار على غرار مؤتمرات الشباب وما شابه؟؟

خامسًا :

ما هي الضمانات لتنفيذ مقررات هذا الحوار، وتحويل ما ينتهي إليه إلى عقد اجتماعي جديد في دولة مدنية، وإلى استحقاقات مُلزمة لأطرافه، وفقًا لجداول زمنية واضحة ومحددة؟؟

أقول للداعي :

إن الإجابة على الأسئلة السابقة – وغيرها – هي المقدمات التي تمكنا من الحكم على جدية ومصداقية الدعوة (بغض النظر عن الموقف منه)

وهنا أحسب أن هناك خمس حقائق أود أن أثبتها في محضر هذه السطور، بوصفها نقاط هامة فوق حروف كلمة “حوار” حتى لا نفرغها – كغيرها – من مضمونها، ومحتواها، وهذه الحقائق والنقاط هى :-

لا عاقل يرفض الحوار من حيث المبدأ، ولا مجنون يرحب بحوار مبعدًا عن المشاركة فيه، أو لا يقف على أهدافه وتفاصيله، ومحدداته، وضمانات جديته.

من العبث الدعوة لحوار مجتمعي وطني سياسي، ونحن نحقن المجتمع كل مساء بسموم الاستقطاب، والفُرقة، وخطاب التقاطع، والتخاصم مع الجميع، بما يخلف في الإدراك العام، صورة منفرة للآخر – وكل آخر – دون تمييز، وكأننا نلطخ مصر بوحل لن ينجو منه أحد..

الحوار “الحقيقي” لا يكون إلا بين مختلفين، وليس بين الأتباع والأنصار والمؤيدين وأصحاب أنصاف المواقف، والمصفقين، وحملة المباخر، وكدابين الزفة.

الحوار الحقيقي لا يعرف شروطًا مسبقة، لكنه يستوجب تهيئة الأجواء واتخاذ خطوات إيجابية – تمهيدية – من كل الأطراف لإثبات حُسن النوايا

الحوار الحقيقي، لا يملك فيه طرف، ترف الإقصاء للأخر، أو التسريح، أو إحالة غيره للتقاعد بغير رغبته، أو قراره، أو قرار الناس عبر صناديق الاقتراع الحرة

وأخيرًا وفي النهاية :

أرجو أن ينتبه كل أحد، أنني لست في مقام الدفاع عن أحد، ولا معبرًا عن لسان أحد، ولن أكون، ولا تمثل سطوري، إلا موقفي “الشخصي” – وربما الحزبي – ولكني معني بقضية أكبر تتجاوز الذات، وتسموا على الموقف السياسي أو الجبهوي أو الحزبي، وهى قضية “رأب صدوع الصف الوطني، وترميم جسد الجماعة الوطنية” للخروج من المأزق الذي يعد الوطن ضحيته الأولى، والأجيال القادمة في مقدمة شهدائه..

فلا وطن عاقل يقع في تلك المفارقة العبثية المتمثلة في بث ثقافة التنافي والخصام في داخل الوطن، وبين أبنائه، وتبني ثقافة السلام والحوار مع الأعداء والغرباء، في مشارف الأرض ومغاربها.

Share