ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان كلمة في المؤتمر السنوي الثاني للمجلس العربي الذي عقد اليوم تحت عنوان: الربيع العربي: دروس التجربة وتحديات المستقبل، فيما يلي نصها:
عقد من الزمان على اندلاع ثورات الربيع العربي في ذلك التاريخ خرج ملايين البشر في عواصم ومدن عربية للمطالبة باسقاط أنظمة القمع والمحسوبيات والفشل..لحظة تارخية بحق ولحظة ملهمة وجديرة بالاعجاب وتدوين التاريخ، كان الحكام العربي يعتقد انه امتلك السلطة والناس والشوارع والصور والايام والاعمار والجيوش وحتى الفتاوى والأغاني، فاذا بالربيع العربي يأتي ويسقطه ويسقط كل ما جمع من قوة وجبروت، لتبدأ مرحلة جديدة عنوانها الرئيس انه لا سلطة فوق سلطة الشعوب ولا إرادة فوق إرادتها..وماترونه اليوم من حروب اهلية وانقلابات ليست إلا محاولات يائسة من قوى الثورة المضادة لاعادة الشعوب إلى المربع الاولى حيث لا قرار ولا حرية ولا شيء.
إن سقوط القوة أمام ارادة الناس أمر لا مفر منه وهذا اول دروس تجربة الربيع العربي، لقد قدم لنا الربيع العربي منحتان عظيمتان؛ الاولى أنه منح الحكام الذين اعتقدوا انهم مؤبدين وانه ليس هناك من يقدر على منحهم عدم الثقة بمقولتهم تلك وزعزع ايمانهم بفكرة التأبيد، بالمقابل منح الشعوب الايمان بالقدرة على تغيير الحكام واسقاطهم.
نحن نستطيع ان نحدث التغيير وان نصنع الف ثورة هذا ما بتت تشعر به شعوبنا في اعماقها، نحن لا نقدر البقاء على الابد هذا ما غدا يشعر به الحكام في اعماق اعماقهم. لو لم يكن للربيع العربي الا هاتين المنحتين لكفتنا وزيادة.نحن نستطيع ان نحدث التغيير وان نصنع الف ثورة هذا ما بتت تشعر به شعوبنا في اعماقها، نحن لا نقدر البقاء على الابد هذا ما غدا يشعر به الحكام في اعماق اعماقهم. لو لم يكن للربيع العربي الا هاتين المنحتين لكفتنا وزيادة.
هاتان المنحتان ستشكلان تسونامي هائل لن يبقي للحكام المستبدين وعروشهم حجرا على حجر، ليس في المنطقة العربية فحسب بل في أي مكان في العالم يشهد انظمة حكم مماثلة ومستبدة وفاسدة، وأقول في أي مكان في العالم لأن الربيع العربي ألهم كل شعوب العالم وتجاوزت هاتان المنحتان شعوبنا الى كل مكان على هذا الكوكب، وقد رأيتم الجموع المشابهة في اكثر من مكان في الشرق والغرب والشمال والجنوب.
من دروس الربيع العربي ايضا أن الانحياز للقيم بالتأكيد ينطوي على مشقة وتضحيات لكنه خيار لايمكن ان يطويه النسيان، لذا فان المعركة اليوم وغدا وكل يوم حتى قيام الساعة هي معركة القانون ضد اللاقانون، معركة الانتخابات ضد التوريث، معركة المحاسبة ضد الافلات من العقاب، معركة العمل السياسي ضد العمل المسلح. لذا يجد خصوم الربيع العربي أن هذه الثورات هي سبب الحرب والفوضى التي تعم معظم أوطاننا بينما الحقيقة واضحة ومختلفة تماما في هذا المجال، الانقلابيون وقادة الثورات المضادة على مختلف أنواعهم وأثوابهم هم من أعاق الانتقال الديمقراطي وهم من تآمر عليه خشية أن يمتلك الناس زمام أمورهم.
لقد كانت أهداف ثورات الربيع العربي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ابتداء من إيقاف عجلة توريث السلطة، توريث الجيش، توريث المؤسسات، ومرورا بتحديد فترة الحاكم بحيث لا تتعدى عشر سنوات في الحد الاقصى لضمان تداول السلطة وعدم تأسيس ديكتاتورية وشبكات فساد كما كانت في الماضي، وانتهاء بسيادة القانون والانتقال لحكم المؤسسات تحت قادة الشعب.
هذه الاهداف ليست أحلاما غير قابلة للتحقيق بدليل أنها موجودة في دول كثيرة من حولنا، كما أنها ليست أهدافا كما يروج بانها لا تناسب مجتمعاتنا وشعوبنا بدليل ان بعض تلك الاهداف كانت موجودة من قبل سواء كانت بصورة جزئية أو كاملة، وللأسف تم تجريفها خلال حكم المستبدين في الخمسين عاما الماضية.
ما نود تأكيده بشكل قاطع أن أهداف ثورات الربيع العربي ليست محلا للمساومة فهي تسعى لضمان حرية الجميع وحقوقهم وتأكيد سيادة القانون، ومن هنا يفترض أن تكون ثورات الربيع محل تقدير كل شخص على وجه هذا الكوكب، بغض النظر عن دينه أو ميوله أو طائفته او مذهبه الديني…الخ، ففي النهاية ثورات الربيع العربي ليست ثورة أسرة أو فرد أو جماعة.
أيضا غني عن القول إن الاحتفاء بثورات الربيع العربي وخاصة بعد عقد من اندلاعها يسبب صداعا للانظمة القمعية في المنطقة وعلى رأسها السعودية والامارات وايران، لذا تسعى ترسانتهم الاعلامية والدينية لتشويه كل ما حدث، هناك إصرار عجيب على تبييض صفحة الديكتاتوريات واعتبار ما حصل من احتجاجات وانتفاضات شعبية ضد تلك الديكتاتوريات هو نوع من التهور أو جزء من مؤامرة كونية تستهدف المنطقة.
نعم مرت عشر سنوات على حدث مفصلي مثل ثورات الربيع العربي ولا يزال الصراع محتدم على كل المستويات، فعلى المستوى العسكري تخوض دول وقوى الثورات المضادة وهنا أقول على رأسها السعودية والامارات وايران بما تملكه من امكانات مالية ونفوذ في المنطقة وميليشيات مسلحة وترسانة من الاسلحة المتطورة ومن الأكاذيب ضد أي مظهر من مظاهر الربيع العربي، نعم هناك حرب اجتثاث ضد الربيع العربي تحت شعارات مخادعة؛ مرة تحت عنوان محاربة التطرف والارهاب، ومرة تحت عنوان التصدي للاطماع الاجنبية، ومرة تحت عنوان استعادة الاستقرار الذي له تعريف واحد في مخيلتهم وهو محو أفكار وأهداف الربيع العربي واحتكار السلطة والثروة.
أما على الصعيد الاعلامي والثقافي فللأسف تم تجنيد كثير من وسائل الاعلام والمنابر الثقافية وعدد كبير ممن يسمون بالمثقفين للتشكيك في دوافع الثوار واختراع حجج واهية لتبرير الانقلابات العسكرية، في تخلي واضح عن مدنية الدولة، أما على الصعيد الديني كما نرى ان قوى الثورة ا لمضادة تمعن في اهانة الدين من خلال مسخ كثير من علماء الدين والمؤسسات الدينية وجعلهم جزءا من الدعاية السياسية التي تفتقر إلى الاخلاق ومراعاة مصالح ا لناس.
تجربة الربيع العربي ثرية جدا وما تزال تمنحنا الدروس كل يوم، من الدروس المهمة التي يمكن ايضا استخلاصها من الربيع العربي أن سياسة التخويف التي تنتهجها الانظمة القمعية لمنع التغيير هو خيار لم ينجح ولن ينجح أبدا. حاجز الخوف قد سقط مع ثورات الربيع، وما تفعله الثورات المضادة هو انها تسعى إلى إعادته من جديد لكن هذا ما فشلته به وهنا أؤكد من أن الموجة الثانية من الربيع العربي تؤكد هذا الهدف.
النخب السياسية للاسف الشديد لم تكن بمستوى اللحظة الثورية انشغلت بخلافاتها واطماعاتها واستدعتت معارك عفى عليها الزمن في وقت كان يجب ان تدرك ان هناك عصر جديد يعلي من قيم المواطنة وسيادة القانون واحترام حقوق الانسان، من يقرأ التاريخ وتجارب الشعوب يدرك أن الثورات المضادة لا يمكن ان تتحكم في مصائر الشعوب للنهاية، المستبدون لا يستطيعون السيطرة على عقول وأفكار الناس. إذا لا يوجد أدنى شك في أن المستقبل هو مستقبل الحريات الديمقراطية والحكم المدني، وأنه مهما كانت قسوة الثورة المضادة وانتهاكاتها فلن توقف قطار التغيير.
أخيرا؛ بمناسبة مرور عشر سنوات على الربيع العربي أعتقد ويعتقد كثير من الذين شاركوا في هذه الثورات أن هناك حاجة لمراجعة مسيرة الربيع وليس التراجع عنه، واستخلاص الدروس والعبر واكتشاف جوانب القصور في التجربة الثورية هذا المسار يختلف بشكل جذري مع اعلان الندامة والنكوص عن مسار الثورة، لا يوجد شخص حر سوي يمكنه ان يندم على مقارعة الطغيان والاستبداد، لا يوجد شخص حر يمكنه أن يتبرأ من وقفة الحق. ما يجب أن يكون راسخا في قلوبنا وعقولنا هو أن المستقبل هو للربيع العربي وليس لقوى الطغيان، دارت عجلة التغيير في بلداننا ولن تقف قبل أن تطوي عاما كاملا من الطغيان والقمع والاجهزة والسجون والقهر والاضطهاد، هذا هو مصير ثورات الربيع العربي وهذا هو وعد الثورة ووعد الثورات.

المجد للثورة..والمجد لكل احرارنا في منطقتنا العربية وفي جميع ربوع العالم المنادين بالحرية والعدالة والديمقراطية وسيادة القانون.

Share