حوار توكل كرمان مع بي بي سي موندو حاورها: مارجريت رودريغيز-

كانت توكل كرمان داخل خيمة، في ساحة عامة، عندما تلقت نبأ فوزها بجائزة نوبل للسلام لعام 2011، لتتحول إلى أحد رموز الكفاح من أجل للديمقراطية ليس في بلادها اليمن فحسب، بل أصبحت أيضًا أحد رموز الربيع العربي.

في ساحة التغيير بالعاصمة اليمنية صنعاء، تجمع آلاف الأشخاص، معظمهم من الشباب، مطالبين بإنهاء حكم علي عبد الله صالح المستبد الذي استمر لأكثر من 30 عامًا.

يعود نضال هذه الصحفية، التي يطلق عليها “أم الثورة”، إلى عام 2006، عندما بدأت بالخروج أسبوعياً للاحتجاج.

تحدثت إليّ توكل كرمان في منتدى “أوسلو للحرية” في مايو/أيار قائلة: “قالوا لي إن مجتمعاً محافظاً مثل المجتمع اليمني لا يمكن تغييره. أخبرني البعض أن النساء لا يمكنهن تغيير المجتمع، لكن والدي قال لي أن أبحث عن حلول بدلاً من انتظارها”. فكانت الطريقة أن أمسك بمكبر الصوت لأقول للناس أن “يستيقظوا” و “يدافعوا عن حقوقهم” ضد “الظلم والفساد”.

وقالت كرمان إن السلطات اتصلت بوالدها تخبره “إذا لم تصمت ابنتك، فسوف نسكتها”. بالنسبة لـ كرمان، لم يكن الصمت خيارًا.

وقد تم اعتقالها مما أدى إلى اندلاع مظاهرات تطالب بالإفراج عنها.

أدت احتجاجات 2011 إلى استقالة صالح الذي سلم السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي.

تقول كرمان إنه كانت هناك عملية حوار وطني ومسودة دستور جديد يضمن حقوق الإنسان والحكم، لكن – كما توضح- القوى المناهضة للثورة والدول الأخرى ذات النفوذ في المنطقة قوضت “إرادتنا في الديمقراطية، الحرية والعدالة”.

لقد مزقت الحرب الأهلية بلادها التي تعد واحدة من أفقر دول العالم العربي.

كما في الربيع العربي، تصر كرمان على النضال السلمي. في الواقع، مُنحت جائزة نوبل (التي تشاركتها مع ناشطتين ليبيريتين) “لجهودها السلمية في تعزيز السلام ونضالها من أجل حقوق المرأة”.

وافقت الصحفية توكل كرمان إحدى ضيوف مهرجان هاي في كويريتارو بالمكسيك، على الإجابة على أسئلة “بي بي سي موندو” وفعل ذلك كتابةً:

عندما فزت بجائزة نوبل كان عمرك 32 عامًا، كيف تغيرت حياتك؟

لا تزال توكل بعد نوبل هي نفسها ما قبل نوبل، لم يتغير شيء. وربما أنا محظوظة لأنني لم أتغير. الاختلاف الوحيد هو في عدد المنصات التي أشارك من خلالها وأعبر عن آرائي ومواقفي السياسية، أصبح الآن من السهل عليّ التحدث مع العالم، ولولا جائزة نوبل، لكان من الصعب عليّ فعل ذلك.

هل تعتقدين أن جائزة نوبل التي حصلت عليها غيرت التصور داخل العالم العربي وخارجه بأن المرأة المسلمة يمكن أن تكون رائدة ومحرك للتحولات الاجتماعية والسياسية؟

بالتأكيد. خلال السنوات القليلة الماضية، زرت العديد من البلدان وأصبحت على دراية بالعديد من تجارب المسلمين وغير المسلمين.

أنا مقتنعة أكثر فأكثر بأن المرأة المسلمة لا تفتقر إلى أي شيء لتكن عنصرًا فاعلًا في التحولات الكبرى التي تمر بها بلداننا العربية.

أدرك أن احتكار السلطة والثروة في المنطقة العربية يقلل من فرص الرجال والنساء في إحداث التغييرات السياسية أو الاجتماعية، لكن الأحداث أظهرت أن المرأة المسلمة يمكن أن تسهم بشكل فعال في أي تغيير كبير.

أثناء اندلاع ثورات الربيع العربي، وقفت النساء إلى جانب الرجال في ساحات التجمعات والمدن ومثل ذلك دعمًا كبيرًا للحراك من أجل التغيير في ذلك الوقت.

والجدير بالذكر أن المرأة تتعرض للقمع أكثر من الرجل. بشكل عام، يمكن للمرأة المسلمة أن تستلهم من التجربة الناجحة ومعرفة النساء الأخريات، بغض النظر عما إذا كن مسلمات أم لا.

تتشابه مشاكل المرأة إلى حد كبير في جميع أنحاء العالم. لا شك أن هناك اختلافات، ولكن بشكل عام، تشترك المرأة في كونها مستبعدة ومهمشة وأن حقوقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تتعرض للانتهاك.

كان الربيع العربي لحظة تاريخية أعطت الأمل لملايين الناس في بلدك وفي العالم العربي. بعد أحد عشر عامًا، ما هي رؤيتك لتلك العملية؟

لفترة طويلة، اعتقد الجميع أن العالم العربي لن يثور وأن المجتمعات العربية بطبيعتها عرضة للاستبداد ومقاومة القيم الديمقراطية. ومع ذلك، جاءت ثورات الربيع العربي لدحض كل هذه التصورات.

أكد الربيع العربي، مهما حدث بعد ذلك، أن شعوب المنطقة لديها رغبة عارمة في إحداث تغيير حقيقي وإنهاء عقود من الاستبداد. يقودنا هذا إلى فهم أسباب اعتماد داعمي الثورات المضادة على القوة والعنف والانتقام كوسيلة للتعامل مع كل ما يتعلق بالثورات. إنهم خائفون للغاية من اندلاع انتفاضات شعبية جديدة.

أعتقد أن ثورات الربيع العربي نشأت من الحاجة إلى تحقيق انتقال ديمقراطي. ومع ذلك، كانت المؤامرة قبيحة بشكل رهيب وهذا هو السبب في أننا نصر أكثر على عدم الاستسلام والاستمرار في السعي لتحقيق حلمنا في التغيير.

إن تحويل بلادنا إلى مشاهد فوضى وحروب ومراكز اعتقال يجب ألا يجعلنا نتخلى عن أحلامنا في إقامة دول ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وحرياته.

تسببت ثمانية أعوام من الحرب في بلدك في ما تسميه الأمم المتحدة “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، لكنك قلت إن “العالم لم يفعل شيئًا لوقف الفظائع ضد اليمنيين”. لماذا تقولين إن “القوى العظمى تغض الطرف”؟

لقد سمعنا مرارًا وتكرارًا تصريحات من الولايات المتحدة والغرب حول معاناة اليمنيين وأن الحرب يجب أن تنتهي. جو بايدن نفسه تحدث عن الحرب في اليمن وأعلن رغبته في وقف هذه المأساة وتم تعيين مبعوث أمريكي لليمن. لكن لم يتغير شيء. للأسف، تم التخلي عن اليمن.

على مدى ثمان سنوات، كان اليمن تحت وصاية نظامين، هما السعودية والإمارات، اللذان يتبعان سياسة تقوم على المكائد تقودها طموحات أنانية وكراهية لا تنتهي.

لن يتوقع أي شخص سوي سلوكًا مسؤولاً من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران. لقد وقع بلدي في قبضة هذه الأنظمة الاستبدادية.

يجب على الولايات المتحدة والحكومات الغربية التصرف بمسؤولية. لا ينبغي أن يكون اليمن جزءًا من مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني. إنه عار.

لا ينبغي أن يكون اليمن لعبة بيد الحكام في أبو ظبي والرياض. أدت هذه السياسة المجنونة إلى تمزيق البلاد وإلى صراع دائم في المنطقة.

قلت في آذار/مارس إن الغزو الروسي لأوكرانيا “حدث يكمل دائرة التراجع الديمقراطي”. بشكل عام، ما هو برأيك أكبر تهديد للديمقراطية الآن؟ هل يمكننا الخروج من دائرة الانحدار الديمقراطي هذه؟

نعم، لقد أشرت إلى حقيقة أن الغزو الروسي لأوكرانيا سيكمل دورة الانحدار الديمقراطي التي بدأت بتواطؤ الحكومات الغربية ودعمها للأنظمة الاستبدادية في حروبها ضد ربيعنا العربي.

غض الطرف عن الحرب المدمرة والمجنونة التي كان بوتين يشنها في سوريا لإنقاذ الديكتاتور المستبد بشار الأسد، عرضت سوريا للغزو وقتل عشرات الآلاف من المواطنين.

كانت الحرب هناك ضد ما يريده السوريون وضد رغبتهم في أن تكون بلادهم دولة ديمقراطية وليست إقطاعية تملكها عائلة تحتكر السلطة دون أي حقوق.

لم تتم إدانة بوتين على ما كان يفعله في سوريا، وهذا دفعني للاعتقاد بأنه سيرتكب نفس الأمر في أي دولة أخرى.

كان يجب أن تتوقف مغامرات بوتين في بدايتها. أعتقد أن الأمور لم تكن ستصبح سيئة كما هي الآن.

قلت إنه “لو أن 20 في المائة فقط من الحملة العالمية للمقاطعة والعزلة والعقوبات التي أطلقها الغرب لمواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا وجهت ضد إيران وميليشياتها في سوريا وضد الغزو الروسي لسوريا، لكنا لم نر روسيا تغزو أوكرانيا. برأيك، هل ما يجري في العالم في الوقت الراهن هو نتيجة لعدم دعم الغرب للربيع العربي؟

نعم، كان نظام بوتين سيفكر كثيرًا قبل غزو أوكرانيا لو واجه معارضة حقيقية لتدخله في سوريا.

يقول مثلنا العربي: “من أمن العقاب أساء الأدب”، كان لدى الغرب فرصة تاريخية لدعم التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، الأمر الذي كان سيقيم علاقات صحية لصالح الجميع.

ومع ذلك، يبدو لي أن الحكومات الغربية تخشى الديمقراطيات العربية. لسوء الحظ، أكدت مواقفها تجاه ثورات الربيع العربي هذا الاعتقاد.

في خطاب ألقيته هذا العام، قلت إن “التحول إلى الديمقراطية والحرية ليس ممكنًا فحسب، بل إنه حتمي”، وأكدت أن الوقت في صالحنا وأنا على “الجانب الصحيح من التاريخ”، وأن الطغاة هم من يخافون “ويعرفون أن وقتهم محدود”. كيف تعطين الأمل لملايين الأشخاص الذين يعيشون في ظل أنظمة استبدادية في أجزاء مختلفة من العالم؟

كلما كان الدكتاتور أكثر وحشية وقسوة، كلما كنت متأكداً من نهايته الوشيكة. الدكتاتوريات لا تستمر إلى ما لا نهاية. بالنسبة للجزء الأكبر، فشلت هذه الأنظمة ماليًا. وبدلاً من الإصلاح، تقوم بحملات الاعتقال ضد معارضيها وأحياناً ضد أنصارها.

ليس لدى الديكتاتوريات أي مشروع تنموي أو تمكين للناس من حقوقهم السياسية والاقتصادية. كل ما لديهم هو القمع، وهم يغرقون بلدانهم في الديون. في الواقع، يعمل الديكتاتور دون وعي لخلق عوامل تنهي حكمه واستبداده.

شيء آخر، أعتقد أن عدل الله وقدرة الناس على التغيير أقوى بكثير من قدرة الديكتاتور على البقاء.

Share