بمناسبة الذكرى العاشرة لاندلاع ثورات الربيع العربي ، ثورة 17 ديسمبر المجيدة في تونس ، ثورة 25 يناير المجيدة في مصر، ثورة 17 فبراير المجيدة في ليبيا ، ثورة 27 فبراير المجيدة في اليمن ، ثورة 17 مارس المجيدة في سوريا، على كل العرب التوقف مطولا عند أعظم حدث في تاريخهم المعاصر بما به من دلالات على حاضرهم وتبعات هائلة على مستقبلهم.
إذ نستحضر بخشوع ذكرى شهدائنا الأبرار وجرحانا الأبطال الذين سقوا بدمائهم شجرة الحرية التي بدأت تعلي أغصانها الوارفة فوق الأرض العربية
فإنه لا بدّ لكل العرب من استبطان المعاني الغزيرة والعميقة لهبة شعوبنا التي شهدتها العشرية المنصرمة حتى يجعلوا منها ركيزة تصرفاتهم وأفق آمالهم وأعمالهم .
لقد مثلت ثوراتنا المجيدة هذه لحظة تنفيذ عقوبة الإعدام في أنظمة شمولية فاسدة وقمعية أصدرت شعوبنا فيها هذا الحكم في صمت السرائر المقموعة والعقول الساخطة عقودا قبل خروج الشعوب إلى الشارع لأن القاعدة في التاريخ أن موت الأنظمة والدول يبدأ في العقول وفي القلوب سنوات وعقود قبل انهيارها في عالم الواقع.
مما يعني أن كل الأنظمة الاستبدادية العربية، وإن تجهل وتتجاهل الأمر، واقفة في نفس الطابور تنتظر دورها وقد أجمعت الأمة أنها لن ترضى مستقبلا باستمرار حكم الفرد ودولة العصابات واستيلاء اقلية ظالمة عاقرة على الثروة والسلطة والاعتبار تاركة للشعب الفتات والقهر والذلّ .
هل ثمة ما هو أدلّ على صحة تفاؤلنا من التحاق الشعب الجزائري والسوداني واللبناني والعراقي والبحريني بقافلة الشعوب الثائرة في موجة ثانية ستتبعها حتما موجة ثالثة ورابعة إلى ان تنتهي ملحمة الأبناء بتدمير الاستبداد كما انتهت ملحمة الآباء والأجداد بتدمير الاستعمار؟
نعم يحق للعرب ان يفخروا بهبّة غير مسبوقة في تاريخنا القديم والحديث .
نعم يحق لهم ان يفخروا بأن ثورتنا شكلت قدوة ونموذجا لثورات شعوب أخرى .ليس من باب الصدفة ان روح وتقنيات الثورة الديمقراطية السلمية في ميانمار وتايلند وبلاروسيا وروسيا هي نفسها التي اخترعها شبابنا منذ عشر سنوات كما ليس من باب الصدفة تدخل دول استبدادية من داخل ومن خارج الإقليم لدعم الثورة المضادة خشية ”عدوى” حصلت رغم كل ما فعلوا وما سيفعلون .
نعم يحق لنا أن نعتزّ وأن نمجد الشعب السوري والشعب الليبي والشعب اليمني وهم يقدمون إلى اليوم أروع الأمثلة في الدفاع عن حقهم في الحياة الكريمة .
نعم ، يحق لنا ان نفخر وان تعتزّ بصمود شعب مصر ضدّ الانقلاب الفاشي الذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخه الطويل مصادرا أحلامه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
نعم ، يحق لنا أن نفخر بصمود الشعب التونسي وثباته على التمسك بمكاسب ثورته رغم ما يتعرض له الدستور والنظام السياسي الجديد من تهديدات متعددة المصادر للعودة للحكم الفردي الذي قاد الشعب والأمة للهلاك .
إلا أن هذا الفخر والاعتزاز لا يجب ان يخفي عنا أن طريق النصر ما زال طويلا محفوفا بكل الكمائن الخطرة.
ما أظهرته تجربة العشر سنوات الأخيرة اننا امام أنظمة عاجزة عن التجدد وتحيين تفكيرها ومن ثمة ضراوة الثورة المضادة التي لم تتورع عن استعمال أقسى وأخس الوسائل لإعادة شعوبنا المطالبة بحقوقها لبيت الطاعة . هذه الثورة المضادة ظاهريا تقودها دولة الامارات العربية المتحدة لكنها مجرد وكيل للصهيونية وقوى إقليمية ودولية تخشى نهوض أمتنا التي نكبت منذ قرن بتحالف الاستعمار بما هو استبداد خارجي وبالاستبداد بما هو استعمار داخلي.
إن أخطر أسلحة الثورة المضادة اليوم هي التي تسعى عبر وسائل التضليل التي تملكها لبذر الشكّ والإحباط في عقول ملايين العرب والرسالة : لا خير يرجى من هذه الثورات التي كلفتكم كل هذه الالام والخير كل الخير في العودة لطاعة أولياء الأمر منكم لا يهم كم نسرق وكم نعذب وكم نخون.
لمواجهة هذه الحرب النفسية البالغة الخبث على كل العرب -خاصة الشباب الضحية الأولى لأنظمة ما قبل الثورة المباركة- أن يرفعوا هم أصبع الاتهام في وجه من بقي من طغاة ومن بقي من خدم : أنتم من دفعتم الشعوب للثورة بحجم فسادكم وظلمكم وبفشلكم المخزي في توفير الحدّ الأدنى من التقدم الذي استطاعت على الأقل بعض الدكتاتوريات الآسيوية تقديمه لشعوبهم . أنتم من تصديتم بأقصى قدر من العنف والفساد والتبعية لأحلام شعوبنا ولم تتورعوا عن كل الموبقات من قتل وتهجير وتجويع ورمي بالبراميل والقنابل الكيماوية لتحافظوا على مصالحكم الخسيسة. أنتم المسؤولون عن كل هذه الكوارث التي تريدون وضعها على حساب الثورة لكن تضليلكم لن ينطلي .
-بهذه الروح المعنوية العالية التي تعرف أصدق المعرفة أن ثورات الربيع العربي هي ثورات شرعية طبيعية شريفة في مصادرها ومقاصدها خلافا لما تدعيه الأبواق المأجورة وكأنّ أنظمة الاستبداد لم تكن هي الحليف الأول والمدلل للصهيونية والاستعمار.
-بهذه الروح المعنوية العالية التي تعرف أن معركتنا ضد الاستبداد وإن استغرقت عقودا ستنتهي بالنصر كما انتهت بالنصر معركة التحرر من الاستعمار التي لم تربح لا في عشر ولا في عشرين سنة.
-بهذه الروح المعنوية العالية التي تدرك أن لتحرر الشعوب دوما ثمنا باهظا وأننا سندفعه إذ لا شيء أغلى من الحرية للتمتع بقيمة القيم ونعمة النعم: الكرامة.
-ندعو كل العرب لدعم الثورة الديمقراطية السلمية التي استهلها الربيع العربي بكل وسائل الدعم المادي والمعنوي والإعلامي لأنها ثورتهم ، انتصارها في كل مكان انتصارهم وهزيمتها في كل مكان صفعة لهم .
-ننادي كل العرب بتوسيع رقعة هذا النداء ليصل أكبر عدد من أبناء وبنات شعوبنا وأمتنا،
-نناشد كل القوى السياسية والثقافية والاقتصادية الانخراط كل من موقعه حسب قدراته وبالوسائل المتاحة له في خدمة الأهداف الثلاث التي انطلقت من أجلها الثورة العربية لأنها وحدها القادرة على تحقيق الأماني التي وعدتنا بها الحياة :
الهدف الأول : القطع نهائيا مع وضع الرعايا الذين يقايضون أمنهم المزعوم بالتخلي عن حقوقهم المشروعة في التقاسم العادل للثروة والسلطة والاعتبار، والمرور في أسرع وقت لوضع شعب المواطنين الذين لا يتخلون عن أي حق من حقوقهم ولا يتملصون من أي مسؤولية من مسؤولياتهم .
الهدف الثاني: بناء دولة القانون والمؤسسات التي لا مكان فيها للحكم الفردي وعبادة الشخصية ، دولة يملكها شعب من المواطنين لا دولة تملك شعبا من الرعايا.
الهدف الثالث: بناء اتحاد عربي لا علاقة له بالمشروع القومجي الاستبدادي المخابراتي الغارق في عبادة الشخص وتأليه الزعيم، وإنما هو إتحاد بين شعوب حرة تعددية ودول ديمقراطية مستقلة غير تابعة يكون فضاء الجهود المشتركة لتستعيد الأمة مكانتها بين الأمم الصانعة للتاريخ .
إن هذا المشروع الجبار هو اليوم أمانة في أعناقنا لأنه هو الذي استشهد من أجله شهداؤنا الأبرار والذي سالت من أجله كميات هائلة من الدماء والدموع، وهل ثمة ما أفظع من أن تذهب كل هذه التضحيات وكل الالام سدى .
إن مسؤوليتنا جميعا ألا نسمح أبدا بشيء كهذا اكراما لذكرى شهدائنا وتفانيا في حب أوطان إستعرناها من أحفادنا ولا بدّ أن نرجعها لهم على أحسن حال لينعموا بما لم ننعم به نحن والسلوى مثالنا الرائع ” زرعوا فأكلنا ، نزرع فياكلون”.
رحم الله شهدائنا الأبرار .
المجد والخلود لشعوب المواطنين
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بدّ للقيد أن ينكسر.
التوقيعات :
د منصف المرزوقي – تونس
أ توكل كرمان – اليمن
د أيمن نور – مصر
د أحمد طعمه – سوريا
د نزار كريكش – ليبيا
د محمد المختار الشنقيطي – موريتانيا
د علي بوسدرة – ليبيا
أ عماد الدايمي – تونس
وسيعمل المجلس على تنفيذ مبادئ هذا النداء من خلال طرح مشاريع عملية حقيقية وعبر سلسلة لقاءات متخصصة في المدة القادمة